الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
“ليته سكت” .. جملة طالما عَبَّرَ بها الناس عن ذهولهم من سقوط الكبير في حفرة ضيقة بسبب انبساط لسانه، لقد كان أستاذ الحديث في سعة؛ فأبى إلا أن يَنْدَسَّ في نَفَقِ النفاق، ويسلك جحر الضب على نَتَنِهِ وضيقه وظلمته وتَعَرُّج مساربه، ما هذا يا شيخ؟! لقد خَذَلَتْكَ حكمتك فخَذَلْتَ الأمةَ والملةَ والدينَ والسنة؛ أَبَعْدَ أنْ سبَّهُ ولعنَهُ كلُّ لسانٍ رَطْبٍ من ذكر الله جئتَ تقول فيه شعرا لا يصدق إلا على أبطال حقيقيين، كان موقفه منهم هو العداء والمحاربة؛ ففريقًا قَتَلَ وفريقًا سَجَنَ وفريقًا نَفَى وشَرَّد؟!
وإذْ تقول له “لمصر في عهدكم عزم وإصرار” تَعْلَمُ أنت علم اليقين بأنك كاذب فيما تقول، مثلما يعلم هو علما لا يخالطه شك بأنك تنافقه وتتملقه بهذا الكذب؛ أمّا مصر فوالله ما خار عزمها ولا وهن إصرارها إلا مذْ أَطَلّ عليها ذلك (السيسيُّ!) بِسِحْنَةٍ لم تر عينٌ أسمج منها، وتستطيع أن تتأكد من ذلك بأن تكلف جثتك المنطرحة في تلك العباءة الْمُذَهَّبة الفاخرة، بجولة بين المصريين في سوق من الأسواق التي ينسحقون فيها تحت مطارق الغلاء، الذي يهجم ويتوسع كأنّه محتل غاشم لا يرقب في الناس عهدا ولا ذمة، أو بنزهة في حيّ من الأحياء الشعبية التي تجاورت فيها البيوت والمقابر وتلاشى فيها كل فرق بين الأحياء والموتى؛ أو بوقفة في محطة أتوبيس أو مترو لتبصر خلقا كثيرا لم يمنعهم من الانتحار إلا خوف الخلود في النار، ولتقف على حقيقة المأساة بالنظر في عيون لم تعد تتسع إلا للأحزان.
أمّا العنف والعار، وأمّا الظلام الذي تعثر منه الأهل والجار، فهو ما جلبه السيسي علينا وليس ما نَحَّاهُ عنّا، فَأمِطْ عن عينيك اللثام إن كنت معصوبا أو استدر للجهة الأخرى إن كان بك حَوَلٌ، وهل هناك عار جلبه على بلادنا أخزى من الهزيمة أمام مشروع أثيوبيا وتعريض النيل العظيم للخطر؛ بسبب سياسة كسياسة المومس مع رجال قضوا معها ليلا طويلا وفي الصباح أخرجوها خالية الوفاض، فلا مالا حَصَّلَتْ ولا عرضا حَصَّنَتْ، ثم عادت بسيف “العنف” على أبناء مصر الشرفاء لتبيتهم بين قتيل وسجين وشريد، وانثنت برجولة مدعاة على أعراض المعتقلات؛ لتلطخ وجه مصر بالعار الأبديّ!
أوقن أنّ التملق الرخيص لم ينفرد بصناعة ذلك المشهد المخزي الفاضح، وأبياتك المتهافتة تطفح بالتعصب الأعمى ضد ناس من الإسلاميين وصفتهم بالظلامية ووصمتهم بالخيانة والعمالة وأنت أول من يعرف أنّهم من ذلك كله أبرياء أنقياء، لكنّك أردت التشفي وتصفية الحسابات القديمة مع اتجاه كان يكتسح الساحة بالحجة والبيان، ويسحب البساط من تحت قدميك وأقدام مريديك بما يملكه من قدرات بريئة من التحريض والتحريش الذي أوقعت نفسك اليوم في بؤرته بوعي أو بغير وعي.
لقد فضحت نفسك وأفصح لسانك عن فساد سريرتك، وأقمت بنفسك الدليل على أنّه لا فرق بينك وبين على جمعة وأمثاله ممن حرضوا على القتل وسفك دماء الأبرياء إلا أنّ خطابهم جاء متقدما بينما أتى خطابك متأخرا، وعلى أنّه لا فرق بينك وبين من حضروا مشهد الانقلاب من “رجال الأديان” كالطيب وتواضروس ومرة إلا أنّهم سبقوا وجئت في الذيل، فيبدو أنّ القطار الذاهب بهم إلا مزبلة التاريخ كان في انتظارك لتذهب معهم، فاذهب غير مأسوف عليك.
واعلم أنت وهم أنّ هذا الشعب باق، وأنّ ثورته باقية، وأنّ كلماتك هذه لن تُلَمّع وجه الطاغية ولن تمحو من يديه آثار الجرائم، وسيكتب الله ما قلت وما سطرت، وإنّي أخاف عليك برغم كل ما بدى منك، فأنت في النهاية رجل حمل حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، لذلك أدعوك للتوبة من هذه الكلمات؛ فإنّك قد قلت زورا، وأنت أعلم مني ومن الكثيرين بعاقبة الزور، وأحفظ مني ومن الكثيرين لحديث البخاري عن أبي بكرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أَلاَ أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الكَبَائِرِ» قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: ” الإِشْرَاكُ بِاللَّهِ، وَعُقُوقُ الوَالِدَيْنِ، وَكَانَ مُتَّكِئًا فَجَلَسَ فَقَالَ: أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ، أَلاَ وَقَوْلُ الزُّورِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ ” فَمَا زَالَ يَقُولُهَا، حَتَّى قُلْتُ: لاَ يَسْكُتُ” ولحديث البخاري ومسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَرْفَعُهُ اللَّهُ بِهَا دَرَجَاتٍ، وَإِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ، لاَ يُلْقِي لَهَا بَالًا، يَهْوِي بِهَا فِي جَهَنَّمَ».
وقد قلتُ ما قلتُ فيك إحقاقا للحق وإبطالا للباطل، وليس من قبيل النيل من العلماء، فإنّ العالم الذي لا يرعى لدينه ولا لأمته حرمة فلا حرمة له إلا ما يدعيه هو ومريدوه، ولا عبرة بما يدعون، والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل.