بيَّنا في المقال السابق “مشكلات الخطاب الدعوي وعلاجها”، واليوم نقف مع أسس الارتقاء بالخطاب الدعوي، والعوامل المؤثرة فيه
أسس الارتقاء بالخطاب الدعوي:
1- فهم مقاصد الإسلام مع مراعاة فقه الأولويات والتفريق بين الفتوى والدعوة مع فهم واقع الفتاوى القديمة.
2- لابد للخطاب الدعوى المعاصر من العمل على جمع شمل المسلمين عامة والجماعات الدعوية خاصة، وطرح أفكار ونصوص تشير إلى الأصول التي يتفق عليها المسلمون جميعاً.
3- الشمول والاستيعاب لكل ما يهم البشرية في حياتها وبعد مماتها، وفي دينها وفي كل صغيرة وكبيرة؛ فالشمول والعالمية والثبات منهج إسلامي أصيل وراسخ.
4- وضوح الدلالة: قال تعالى: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ ﴾ [الشعراء: 193 – 195].
قال ابن كثير: “أي: هذا القرآن الذي أنزلناه إليك، أنزلناه باللسان العربي الفصيح الكامل الشامل؛ ليكون بيّناً واضحاً ظاهراً، قاطعاً للعذر، مقيماً للحجة دليلاً إلى المحجة”.
5- قوة الحجة: قال تعالى: ﴿ قَالُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ ﴾ [إبراهيم: 10].
قال البغوي:” سلطان مبين: حجة بينة على صحة دعواكم”
6- كفاية التبليغ: بشمول جميع عناصر الرسالة بالتبليغ: قال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67]
قال القرطبي: “قال ابن عباس: المعنى بلّغ جميع ما أنزل إليك من ربك، فإن كتمت شيئاً منه فما بلغت رسالته، وهذا تأديب للنبي صلى الله عليه وسلم، وتأديب لحملة العلم من أمته ألا يكتموا شيئاً من أمر شريعته “
وأيضاً بشمول البلاغ جميع المخاطبين: قال تعالى: ﴿ هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ ﴾ [إبراهيم: 52] قال ابن كثير: “يقول تعالى: هذا القرآن بلاغ للناس كقوله: ﴿ أُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ﴾ [الأنعام: 19] أي هو بلاغ لجميع الخلق من إنس وجن “
7- تنوع الخطاب الدعوي: تنوع القوالب و تنوع المضامين.
العوامل المؤثرة في الخطاب الدعوي:
1- أصناف المخاطبين:
من العوامل التي يجب أن تراعى في الخطاب الدعوي أصناف المخاطبين، وهذا ضروري لأن كل صنف له ما يناسبه من الخطاب، ومن أنواع المخاطبين:
♦ الكافرون الذين لا يؤمنون بالكتاب والسنة.
♦ المعتدّون بعقولهم المقدمين لها على النص النقلي.
♦ المخدوعون بالشبهات، أو المتعلقون بالشهوات.
♦ المعاندون الذي يتبّعون الباطل تبعاً لمصالحهم ويسعون إلى إضلال غيرهم.
♦ الواقعون تحت تأثير الأوضاع والأعراف الخاطئة حتى ألفوها ورأوها صواباً.
2- أفهام المخاطبين:
كذلك يجب مراعاة اختلاف الأفهام وتباين القدرات العقلية، وقد اعتبر الإمام الشاطبي أن عدم مراعاة هذه الفوارق من الابتداع، فقال: ومن ذلك- أي الابتداع- التحدث مع العوام بما لا تفهمه ولا تعقل معناه؛ فإنه من باب وضع الحكمة في غير موضعها وسامعها إما أن يفهمها على غير وجهها – وهو الغالب – وهي فتنة تؤدي إلى التكذيب بالحق والعمل بالباطل، وإما لا يفهم منها شيئاً وهو أسلم.
3- بيئة المخاطبين:
إن كل بلد لها أعرافها وكل بيئة لها عوائدها، ومراعاة ذلك بالضوابط الشرعية، من ضروب الحكمة وموافقة جوهر الشريعة.
قال ابن القيم في إعلام الموقعين: “ومن أفتى الناس بمجرد المنقول في الكتب على اختلاف عرفهم وعوائدهم وأزمنتهم وأحوالهم وقرائن أحوالهم فقد ضل وأضل، وكانت جنايته على الدين أعظم من جناية من طبّب الناس كلهم على اختلاف بلادهم وعوائدهم وأزمنتهم وطبائعهم بما في كتاب من كتب الطب على أبدانهم بل هذا الطبيب وهذا المفتي الجاهل أضر ما على أديان الناس وأبدانهم “
4- الأحوال والنيات:
من تتبع النصوص النبوية التي فيها الوصايا الغالية لاحظ مراعاة المربي الكبير رسول الله صلى الله عليه وسلم للاختلاف الواضح بين الناس، ومن أمثلة ذلك:
أ- اختلاف الوصايا باختلاف أحوال أصحابها:
♦ حديث: [لَا تَغْضَبْ] وحديث: [قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ]
♦ وحديث: [لَا يَزَالُ لِسَانُكَ رَطْبًا بِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ].
ب- اختلاف الحكم والخطاب باختلاف المقاصد والنيات:
حديث: (أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ). قال ابن القيم:” إياك أن تهمل قصد المتكلم ونيته وعرفه فتجني عليه وعلى الشريعة وتنسب إليها ما هي بريئة منه “.
5- الأولويات والمآلات:
قال تعالى: ﴿ أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 19] و حديث: (أَعْلَاهَا لَا إِلَه إِلَّا اللَّه، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَة الْأَذَى عَنْ الطَّرِيق)
قال ابن تيمية:” العمل الواحد يكون فعله مستحب تارة، وتركه تارة باعتبار ما يترجح من مصلحة فعله وتركه حسب الأدلة الشرعية، والمسلم يترك المستحب إذا كان في فعله فساد راجح على مصلحته”
6- المناسبات والأوقات:
عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: “كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَخَوَّلُنَا بِالْمَوْعِظَةِ فِي الْأَيَّامِ كَرَاهَةَ السَّآمَةِ عَلَيْنَا”.
أسس الخطاب الدعوي المعاصر:
1- الأصالة والمنهجية الشرعية.
2- الشمول التكاملي المؤثر.
3- التوازن النسبي الملائم.
4- الإقناع العقلي المتمكن.
5- الحوار المبدئي الهادف.
6- التيسير الشرعي المرغب.
7- الواقعية الاستيعابية الواعية.
8- اللغة الإيجابية الراقية.
9- الخبرة التجريبية المتراكمة.
10- المعرفة الثقافية المتخصصة.