بسم الله الرحمن الرحيم .. الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
من هم الإرهابيون؟ ومن هم المدنيون الأبرياء؟
على طريقتها في الولولة والنحيب، وعلى نهج المثل السائر: “رَمَتْني بدائها وانْسَلَّت”؛ طفقت الأبواق الإعلامية ومِنْ خلفها الأشداق السياسية للكيان الصهيونيّ، طفقت تمارس الإسقاط الفاجر الرخيص، وتصف المقاومة الفلسطينية بالإرهاب! ولأنّ العُهْر السياسي والإعلامي طبيعةٌ مترسخة فيهم راحوا يصفون المستوطنين المغتصبين بأنّهم مدنيون أبرياء، وهكذا يصنع المرء ما يشاء إذا سلب منه الحياء، والحقيقة أنّنا لم نندهش من هذه الصفاقة، ولم نندهش كذلك من الساسة الداعمين للصهيونية في الغرب الحاقد على الإسلام وأهله، وإنّما كانت دهشتنا شديدة من دول عربية وإسلامية أدانت ما أسمته بالإرهاب ووصفته بالعدوان الغاشم على المدنيين! فهل هذا إرهاب؟ وهل هؤلاء مدنيون؟!
أيّ مدنيين وأيّ أبرياء تقصدون؟ أهؤلاء الذين تمّ جَلْبُهم من أطراف المعمورة ليستوطنوا أرض الإسلام بحماية الجيش مدنيون أبرياء؟ أهؤلاء الذين اغتصبوا الديار وهَجَّروا منها أهلها مدنيون أبرياء؟ أيكون الغاصبون المحتلون المعتدون على الحرمات مدنيين أبرياء ويوصف أصحاب الحق المدافعون عن حقهم بالإرهاب والتطرف؟ بأيّ ميزان وعلى أيّ مقياس ووِفْقَ أيّ معيار تقدرون الأمور؟ هل نسيتم أنّ ردَّ الإسرائيليين إلى حدود (67) حلمٌ بعيد المنال مع أنّ العودة إلى حدود (48) هو أقلّ الحقوق وأدنى قواعد العدل؟ هل نسيتم أنّ كل مستوطنة تقام إنّما تبنى على أنقاض بيوت الفلسطينيين ودورهم التي ورثوها عن آبائهم وأجدادهم، هل نسيتم أنّ كل يهوديّ يتمُّ جَلْبُه من أيّ بقعة في الأرض يقابله عشرات المهَجَّرين من ديارهم وأوطانهم؟! ما هذا الدجل الذي تمارسونه وأنتم في سكرة تعمهون؟!
ليس صحيحا أنّ الذين يسكنون المستوطنات مدنيون؛ كيف وهم إنّما جاءوا إلى بلادنا في سياق الاحتلال للأرض والمقدسات، ولولاهم ما تقدم الاحتلال خطوة واحدة، وهم لم يأتوا لائذين عائذين فارّين من اضطهاد أو فقر أو مضيعة، وإنّما جاءوا إيمانا بدولة الصهاينة ودعما لمشروعهم، إنّهم محاربون ولو لم يحملوا السلاح، ومقاتلون ولو لم يقتلوا عنزة، إنّهم عساكر وإن لم يرتدوا البَزَّة العسكرية، إنّهم ضباط وجنود وإن لم يضعوا على أكتافهم الأشرطة والرُّتَب، فليس لأحدهم في نظر الشريعة الإسلامية عصمة في دم أو مال، ولا يوجد فرق كبير بين استهدافهم واستهداف العسكر الإسرائيليّ.
إنّ قتل المدنيين ليس من دأبنا نحن المسلمين، إنّه فقط سلوك المدنيات الجاهلية بما فيها المدنية المعاصرة، إنّ الذين قُتلوا من المدنيين بأيدي عساكر المدنية الغربية يُعَدُّون بعشرات الملايين، أمّا الإسلام وأمّا المسلمون فلا ثم لا، لكنّ الإسلام الذي حثّ على الجهاد في سبيل الله من أجل دفع الفتنة عن الخلق وإتاحة حرية العقيدة للجميع، والذي حذر أشد التحذير من قتل المدنيين غير المحاربين؛ لا يقيم وزنًا لمدنيين يُعَدُّون محاربين حكما؛ بدعمهم للعسكريين بأي صورة من صور الدعم، ولا ريب أنّ الاستيطان يعد الركن المكمل لعملية الاحتلال، فهو احتلال وغصب وتعاون على الإثم والعدوان.
لم يكن “خيري علقم” إرهابيا، وإنّما كان بطلا فذًّا قدم أنموذجا يُحتَذَى للمقاومة الفلسطينية، ولكل مقاومة لأيّ احتلال أو عدوان على ديار المسلمين، لقد دخل “الذئب المنفرد” تاريخ الفتوح المجيدة من أوسع أبوابه، وكم هي الأمة الإسلامية بحاجة إلى كثير من أمثاله، يلقنون الغزاة المعتدين دروسا رادعة، ويوقعون بهم هزائم فاجعة، وإنّه لممن قال الله فيهم: (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) (الأحزاب: 23)، هنيئا له الشهادة وهنيئا لسبعين من أهل بيته شفاعته لهم يوم الدين، وهنيئا لاثنتين وسبعين من الحور العين يحظين بشرف الزواج منه في جنة الخلد، وهنيئا لطيور الجنة التي ستحل روحه الطاهرة في حواصلها لتسرح في ربوع الجنة مدة البرزخ، وهنيئا لأهل القدس وجينين ونابلس والقدس وغزة أنّهم أول من يظفر بهذا الوصف النبويّ البالغ الروعة: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خذلهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك)، وتعس كل عبد للدرهم والدينار والريال والدولار، تعس كل عبد للمتاع والرياش والزخرف واللباس، تعس كل عبد للدنيا وما فيها من زيف ورياء، تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش.
إنّ أخطر ما تتعرض له القضية الفلسطينية هو هذه الحالة التي يتراجع فيها الوعي لدى كثير من المسلمين، إلى حدّ انقلاب الوعي وتنكيس المفاهيم، لقد صرنا بحاجة إلى بذل المجهود من أجل الإمساك بالمحكمات وتثبيت الثوابت، كأنّنا نستظل بخيمة لا عمود لفسطاطها ولا أوتاد، فيا أيها المسلمون إنّ كتاب الله بين أيدينا، وإنّه ليدعو دعوة صريحة واضحة عالية الصوت واسعة الصدى إلى الجهاد في سبيل الله لتكون كلمة الله هي العليا، فإذا لم ندرك بَعْدُ خطورةَ وضرورةض جهاد الدفع فوق أقدس بقاع الأرض، فماذا سنفعل مع قول الله عز وجل: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ) (التوبة: 29)؟
كلا والله لنقومن بحق إخواننا المجاهدين بأنفسهم وأموالهم، بدعمنا ودعائنا وتأييدنا، وإلا ففيم يكون الولاء للمؤمنين، قال تعالى: (إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ (55) وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ (56)) (المائدة: 55-56)، ولن يقف الإسلام باكيا على أبواب الذين تولوا وأعرضوا، فالله هو الغني ونحن الفقراء إليه، وسنة الاستبدال لا تحابي أحدا من الناس ولا جيلا من الخلق، قال الله تبارك وتعالى في سورة القتال: (وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد: 38).
المصدر: رسالة بوست