الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
سكت دهرا ونطق كفرا!
على مدى سبع سنوات، ارْتُكِبَتْ فيها ضد جماعة “الإخوان المسلمون” أبشعُ الجرائم؛ مِنْ قَتْلٍ بكافة وسائل القتل التي عرفها الإجرام، وتعذيب بشتى آلات التعذيب التي ألفها الأوغاد الطّغَام، واغتصاب واستلاب وتهجم واحتراب، ومطاردة ومصادرة، وتعقب وملاحقة، وتشريد وتجويع وإفقار وإقفار، إلى الاختراق في جوف الجماعة المهترئة الأحشاء، والإغراء والتحريش بين القيادات والأعضاء؛ ليحل التقاطع والتدابر محل الأخوة والترابط، ثمّ التواطؤ من النظام العالميّ المنافق المجرم على تضييع حقوقها وإهدار كرامتها، ووصفها بعد ذلك كله بأبشع الصفات التي تفضي تلقائيا – لولا رحمة الله – إلى القضاء المبرم على ما بقي من أنفاسها، وإن كانت متقطعة وذاهبة مع كل ريح يهب عليها حيث ذهب – على مدى كل هذه السنوات التي شهدت كل هذا الإجرام لم نسمع لهيئة “كبار العلماء!” صوت، ثمّ أخيرا يتمخض الجَبَل بعد طول الْحَبَل عن فأر ميت!
لا يعدو كونه فأرا ميتاً ذلك الذي ولد من رحم الجبل الأشمّ! ليس لأنّ جماعة “الإخوان المسلمون” سالمة من العيوب أو معصومة من الأخطاء أو قائمة كما ينبغي على أمر الله، لكن لأنّ أبعد ما يمكن أن توصف به “جماعة الإخوان” هو وصف الإرهاب، ولأنّ كل حيّ على هذا الكوكب يدركها كما يدرك الطفل الغُفْل السبيل إلى ثدي أُمّه: لو كان لهذه الجماعة حظ ولو قليل من الإرهاب لما كان هذا حالها، ولأنّني وكل من يقرأ هذا الكلام الآن ندرك بالسليقة والفطرة مع التجربة الطويلة والخبرة المتراكمة أنّ جميع المشايخ الذين وقعوا على هذه الفتوى على يقين من أنّ الأولى والأحق بوصف الإرهاب هم من أمروهم وزينوا لهم هذا الصنيع البائس الكئيب.
قلتم – وكم من الأقاويل مما يمزج الضحك بالعويل – وبررتم فتواكم بأنّها جماعة تثير الفتنة والتأليب على أولياء الأمور، ويا للعجب! وهل الفتنة إلا عين ما يفعله (أولياء الأمور!)؟ من الصدّ عن سبيل الله، والقتل المروع للمثقفين والعلماء والدعاة، والاضطهاد والتنكيل بكل الأحرار، والمصادرة لكل قلم وحنجرة، إلا ما كان يدين لهم بالولاء، ثم المظاهرة لأعداء الله على دين الله وعلى عباد الله.
وهل أنتم أيها السادة العلماء مقتنعون وواثقون إلى هذا الحدّ بأنّ هؤلاء الدخلاء العملاء أولياء أمور المسلمين؟ لَمْ تقرأوا القرآن إذاً، ولو كنتم تقرأون القرآن قراءة العلماء للفت نظركم قول الله تعالى عمّن تصفونهم كذبا وزورا بأنهم أولياء أمور المسلمين: (بَشِّرِ الْمُنافِقِينَ بِأَنَّ لَهُمْ عَذاباً أَلِيماً (138) الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعاً (139)) (النساء: 138-139)، ها أنتم أمام الآيات وجها لوجه؛ فأستحلفكم بالله الذي آتاكم من العلم ما لم تعرفوا له فائدة إلا ملء الجيوب والبطون: ألا ترون أنّ الآيات كأنّها نزلت في هؤلاء الذين تسمونهم أولياء الأمر بالأصالة وفي غيرهم بما فيهم ابن سلول وزمرته تبعاً؟
فإن لم تكفكم فخذوا هذه واصبروا أنفسكم مع ترتيلها: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (51) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ (52)) (المائدة: 51-52)، ومرة ثانية أستحلفكم بالله الذي أعطاكم من العلم ما لم تغنموا منه إلا الجرأة على دينه وشرعه: ألستم عندما تتلى عليكم يتراءى لكم الأوغاد تحت كل عقال أحمر وهم يتنافسون في إرضاء المجرمين ليحفظوا عروشهم؟
عن أيّ فتنة تتحدثون؟ أَعَنْ الفتنة التي ألقت بثقلها وناءت بكلكلها على الكوكب الأرضيّ كله؛ فغدا يغذّ السير بما يحمله فوق ظهره من العباد بعيدا عن منهج الله وشريعته، أَعَنْ هذه الفتنة التي شرع لدفعها الجهاد تتحدثون؟ وتقصدون ما قصده الله تعالى من تشريع الجهاد لدفعها في قوله: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) (الأنفال: 39)؛ فتلك هي الفتنة التي لا يعرف لها صديق أوثق صلة بها من أولياء الأمور في عالمنا العربيّ كله، بما فيهم طويل العمر.
أم إنّكم تتحدثون عن فتنة الصد عن سبيل الله والتضييق على أولياء الله وسجن العلماء والدعاة، وفتح جميع السبل لانتشار الرذيلة وانحسار الفضيلة، والتضييق على الطيبين ليغادروا أوطانهم ويخرجوا من ديارهم فرارا بأنفسهم ودينهم، تلك الفتنة التي شهد القرآن بأنّها أشد من القتل: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ) (البقرة: 217)، فتلك فتنة لم ينجح كفار قريش في سبكها وحبكها وإحكام تنزيلها كما نجح أولياء الأمر في طول بلادنا وعرضها.
هذه هي الفتنة التي عمّت الأرض وغمرت الدنيا؛ ولا أحسب جماعة الإخوان المسلمون إلا كياناً مسلماً سنيّا يسعى بكل سبيل مشروع لدفع هذه الفتنة والتخفيف من وطأتها وآثارها، وإذا كان هناك ما يمكن أن يٌتَّهموا به فليس الإرهاب، وإنّما هو الليونة المفرطة التي جعلتهم يضعون الندى موضع السيف، وكما قال الشاعر: “ووضع النَّدى في مَوْضع السيف بالعلا مُضِرٌ كوضع السيف في موضع النَّدى”.
أمّا إن كان خيالكم المأزوم قد ذهب بكم إلى قياس ثورات الشعوب في عصرنا على حركات الخروج في التاريخ الإسلاميّ؛ فأنتم إذن لا تعرفون الواقع ولا التاريخ، أو تعرفونهما ولكنّكم لا تريدون قول الحقيقة، فهؤلاء الذين ثارت عليهم الشعوب في عصرنا ليسوا حكاماً بالمعنى الشرعيّ الذي تتنزل عليه الأحكام، وليسوا أولياء أمور بالمعنى الذي تتنزل عليه النصوص، ليسوا حكاما لبلادنا ولا أولياء أمور للمسلمين إلا أذا اعتبرنا اللص المغتصب لبيت وما فيه ومن فيه رب الأسرة وكبير العائلة.
إنّ الحديث واضح وصريح: (اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَإِنْ أُمِّرَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ مَا أَقَامَ فِيكُمْ كِتَابَ اللهِ) فنحن مأمورون بالسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشياً شريطة أن يقيم كتاب الله فينا، والآية أكثر وضوحا وصراحة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) (النساء: 59)، وهؤلاء ليسوا منّا إلا إذا كان المندوب السامي للاحتلال من أعيان المسلمين، ليس منّا من يحاربنا ويحارب ديننا، ليس منّا من يظاهرون الصهاينة على إخواننا المسلمين في القدس وغزّة، ليس منّا من يسجنون الصادقين من علمائنا ويكرمون كل ضال ضائع من سفهائنا.
هذا بيان للناس، فليذهب بيانكم إلى الجحيم، والله المستعان عليكم وعلى ولاة أموركم.