أَيُعْقَلُ أن يؤول حكم مصر العريقة إلى قزمٍ أخرق مثلك ثمّ بعد خرابها تجلس فوق أطلالها وتصيح متوعداً ومدعيا في آن: “لو مش عايزينِّي أمشي من هنا”؟! أيّ بجاحة و(تناحة) أوصلتك لهذا! وأيّ هوان (وخنوع نسوان) أودى بنا لما نحن فيه! لَعَمْرِي لقد نَزا الهِرُّ فوق صهوة الجواد، وصار الغرّ إماما ومرشدا للعباد! فيا سكان هذا الكوكب العملاق أغيثونا بجواب يشفي الفؤاد: هل رأى أحد منكم أو سمع أو حتى قرأ عن مثل هذا الهراء الذي عمّ وطمّ كل وادٍ وناد؟!
لقد قُلْتَها مراراً: “لو مش عايزينّي أمشي”، وها أنت تكررها على مسامعنا بعد أن جاءك الجواب تلو الجواب: أنّنا لا نريدك ولا نريد ظلَّك ولا طلَّك، جاءك الجواب بإعراض الشعب عن مسرحياتك الهزلية التي سميتها انتخابات، حتى لقد هممت – وهذا من نوادر حمقك وطيشك – أن تُحيل 54% من الشعب المصريّ إلى المحاكمة بدعوى مخالفتم للقانون؛ لعزوفهم عن الإدلاء بأصواتهم، ولو تَعِي يا عَيِيُّ لفهمت أنّ هذه النسبة تصويتٌ على رحيلك مما لا يقل عن 85% من عموم الشعب المصري.
وجاءك الجواب في صرخات الأهالي الذين هُدِّمَت بيوتُهم بغير حق من نظام لا حَقَّ له من الأصل في حكم البلاد، ألم تسمعهم؟ أم إنّ الأبعد لا يعي ولا يسمع؟! بل إنّك تسمع وتستمتع بما تسمع؟! يا عدو الشعب في مسوح المحبين العاشقين! من أيّ كُدْيَةٍ سوداء قُدَّ قلبك الغليظ، من أيّ طينةِ خَبَالٍ اُسْتُلّ عقلك المريض؟! وسواء كنت تسمع أو لا تسمع فإنّ النسمات المصرية التي لم تُخلق بَعْدُ سمعت في أصلاب الآباء وأرحام الأمهات صراخ المعذبين وهم يرون بيوتهم التي وضعوا فيها دماءهم وأكبادهم تخرّ خاوية على عروشها، سمعوا ولولةَ أمّ الرجال، ورأوها وهي تتمرغ في التراب بعد أن ذهب كل ما يملكه أولادها في لحظة واحدة أدراج الرياح العاتية، هل تعلم يا دَعِيُّ كيف دَبَّروا وصَرَّفوا معاشهم وحياتهم ليكون لهم بيت؟ هل تَعِي يا غَبِيُّ كم يعدل هذا البيت الذي أتيت عليه من جذوره بالنسبة لكل ما يملكون، إنّ المصري “المالك” لا يملك إلا بيته وبعض سراويله، وما عدا ذلك فكله هواء لا يملكه وسراب لا يسكن له ولا يطمئن إليه؛ فانظر إلى أيّ مدى جَنَتْ أَنْيابُك ومخالبك على الفرائس المسكينة التي تحكمها بجيشك المجرم وشرطتك السافلة وقضائك الزائف؟!
وتريد أن تُنْزِل الجيش إلى القرى والنجوع لينفذ قراراتك الهوجاء؛ فلبئس قائد الجيش أنت ولبئس الجيش ذلك الجيش، فما أنت في جيشك إلا “هُبَل” في أعراب جُهَّال أشقياء، وما جيشك في مصرنا إلا عسكر الاحتلال بالوكالة، ذلك (الجيش!) الذي لم ينتصر إلا على شعبه، ذلك (الجيش!) الذي أذاقنا مرارة الهزائم في النكسة وفي اليمن وغيرها، ويوم أن تحقق له نصر أياما من أكتوبر أضاعها قائده الغبيّ المغرور بهزيمة سياسية فتحت الباب على مصراعيه للتطبيع الذي انحدرت إليه كل خنازير العرب، ذلك الجيش الذي يتحكم فيه بأموالهم حفنة من الأعراب الأجلاف، فيحاكي في ليبيا صولة الأسد بينما يقف أمام أثيوبيا التي تخنق النيل من منابعه موقف الفأر من القط المنتفض المنتفش.
كل هذا ولم يأتك الجواب؟! وتخطط لتوسعة الدائريّ وإنشاء “محور خوفو”؛ بلا أيّ داع حقيقيّ إلا الرغبة في هدم البنيان وتخريب العمران وإذلال الإنسان! أهو تأديب للشعب الذي ثار يوماً على ظلم وطغيان كنت أنت شريكا فيه واليوم تضاعفه وتقويه وتغذيه؟! أم هي تربية للشعب على أن يؤله الجبار ليظفر بعيش ذليل؟! أم هي خطة التقسيم رماها وألقى بها بين يديك أعداء هذه الأمة ورأو فيك جرأة الضباع على النهش من صيد السباع؛ فوكلوا إليك المهمة الكبرى: صفقة القرن وإعادة تقسيم المقسم؟! يا عدو الشعب لقد بالغت في حربك على الشعب بكل الوسائل والأساليب: الأرضَ أهديتها، وحصتنا في غاز المتوسط أهدرتها، ومياه النيل أضعتها، وقيادات الأمة سجنتها وسحلتها وشردت أسرها؛ فماذا أبقيت من العداوة للشعب والحرب عليه لم تفعله؟!
ارحل أيها المحتل الغاصب الغشوم؛ ارحل فلست منّا ولسنا منك؟ ارحل فإنّنا لا ندري أيّ ريح قذفتك علينا وألقت بك بين أظهرنا، ارحل فإن لم ترحل فاعلم أنك رغم أنفك وأنف أوليائك في “تل أبيب” سترحل، ارحل قبل أن يقتلعك الطوفان، واعلم أن الشعوب تصبر وتصبر وتبلع الغصة لكنها لا تموت، فالثورة قادمة والطوفان آت وكل آت قريب، لا تكن غَبِيًّا بالقدر الذي يجعلك تُطْوَى كما يُطْوَى الفراش القديم البالي وأنت لا تملك لنفسك حولا ولا طولا.
يا أيها الشعب المصريّ الذي طال استعباده، قمْ وانهض وانفض الأسى والوهن، لا يُكَلَّفُكَ أحد بما لا تطيق، لكنك تعرف ما الذي يمكن أن تفعله مما تطيق، حسبك من الجهاد في هذه المرحلة أن تُقنع واحدا فصاعدا من شعب مصر بهذه البدهيات: السيسي عدو الله .. النظام الذي يحكمنا يعادينا ويوالي أعدائنا .. الثورة قادمة والتغيير آت .. الإعلام شر مستطير يجب أن نربي أنفسنا وأولادنا على تكذيبه واجتنابه .. الله مع الذين يعملون لتحرير أنفسهم .. إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم .. الموالاة للسيسي مع ما يفعله بالشعب المصريّ خيانة للدين والوطن .. الوحدة واجب الوقت .. التحرك للتغيير واجب فإذا جد الجد ونادى المنادي كان التخلف معصية لله وخيانة للشعب وتسليما للأحرار.
فإن قدرت على ما هو أكبر من ذلك – وإنك لقادر إذا أردت – فافعله غير متردد ولا آسف على شيء، فإنّ الحرية تولد من رحم التضحيات التي يقدمها هؤلاء القلة، الذين يؤثرون إذا ذهب الناس بالثمرات أن يظفروا هم بالمجد في السماوات، والذين يقطعون في خطوة واحدة المسافات إلى روضات الجنَّات، وبغير هذه التضحيات لن يفتح للنصر باب.
(والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون)