بقلم عبد الرحمن الميعان
مصداقا لحديث النبي صلى الله عليه وسلم، الذي قال فيه «بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا كَقِطَعِ اللَّيْلِ المُظْلِمِ يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَافِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا، يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِنَ الدُّنْيَا»، وهذه الفتن يظل الحليم الذي يملك مسكة من العقل والصبر والأناة، حيران من هول مطلعها لا يدري من أين تنتهي، ولا ماهي، ولا كيف تنتهي!
والمفتون من وقع فيها، وأفتى وماج مع من يموج بها، فرحا منتشيا بتصفيق الجمهرة من الناس، متعاليا بما وصل إليه من فكر!
ولا أظن أننا بعيدون عن هذا الزمن، إن لم يكن هو هو، وذلك أن كثيرا من النوازل الكبرى في الأمة، يفتي فيها، ويقول بحكم شرعي فيها، من لا يملك علما إلا كحسوة الطائر، أو أقل، بل من يتصدر في كثير من الأحيان هم من يسمى بالباحثين، أو المفكرين، أو الحركيين، أو غيرهم من غير فئة العلماء الربانيين، الذين ينبغي التسليم لهم، بل هؤلاء قد ضاع صوتهم في هذه الطاحونة الكبرى للأفكار والمعتقدات!
في ظل هذا المحيط الهائج، لا يملك العاقل إلا أن يضع القلم من بين أنامله، إن لم يكسره، أو يرميه بعيدا عنه، خوفا من عوج الهائجين وثورة المائجين، ولقد هالني ما كان من عقول كنت أراها رزينة قارة على العقيدة، متزنة في كثير من أطروحات، فما بالها طاشت عقولها اليوم! وشال ميزان السياسة عندهم!
كلمة سواء:
يا قومنا تعالوا إلى كلمة سواء بيننا، وبينكم، نتناصح فيها ولا نتعاذر، بل نضع النقاط على الحروف، ونهتدي على سنن من الوحي المبين، وعلى فقه واقع هو كان بعضه ولم يكن كله في الزمان السالف.
قواعد أساسية وخطوط عريضة:
1-ضرورة جمع الكلمة، بين الأمة الإسلامية، وبخاصة السنية، المستهدفة اليوم في عقيدتها ومكانها وموقعها.
2-الخلاف في العقيدة خلاف مرعب خطير، لأنه يمثل الضلال والهدى، أو الحق والباطل، بل الكفر والإيمان أو النفاق! ولا يجوز تسهيل الخلاف العقدي ألبتة!
3-ليس الخلاف في العقيدة، خلافا مشابها لخلاف الفقه، أو الخلاف الاجتهادي، فذلك من قول أهل البدع والضلال.
4-عندما تختلف الأمة، وتضطرب الأمور، وتغبش الصورة، فينبغي الفزع إلى العلماء الربانيين، الذين يردون الأمر إلى مصدره، تأكيدا لما أمر الله به المؤمنين، في قوله تعالى:
﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ ۖ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ۚ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا﴾ [ النساء: 59].
فالرد إلى كتاب الله وسنة رسوله، والذي يستنبطه العلماء لا أصحاب الأقلام والذين لهم الصوت الأعلى في هذا الزمان.
الوعي بالواقع:
لقد بين لنا الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم، أن الأمة ستختلف، بل أوضح كل الوضوح أن الأمة ستنتهش من قبل أعدائها في حديث “توشك أن تداعى عليكم الأمة..”، والأمة حقا أنها منهوشة من عدة من المشاريع، أولها المشروع الغربي الذي يحاربها في عقيدتها في أرضها، ويكون له جنودا يحاربون ويدافعون عن فكره، وقد جاء نتيجة هذا المشروع، مشروعان خطيران جدا داخليا وهو المشروع الرافضي الباطني والذي تمثل في إيران بعد الثورة، والذي وظف أذرعا في العراق والشام واليمن وغيرها من دول العرب، والذي هو يستغل الأوضاع ويراوغ ويعرف كيف يجند له دنودا خفيين للضرب في العرب والسنة!
والمشروع الثاني هو المشروع الصهيوني الاستيطاني، الذي يركز على الحرب الدينية، وعلى التوسع وعلى إخضاع الأمة برمتها تحت سطوته ونفوذه بالتطبيع أو بالقسر والقوة، وكلا المشروعين تحت عين وسمع المشروع الغربي الكبير، وكلا المشروعين يتنافسان على الحظوة عند السيد الكبير، والضائع في هذه المعمعة هم المسلمون السنة، الذين لم يلتفتوا إلى أنفسهم، ولم يفقهوا سر قوتهم، ودق بينهم عطر منشم كما يقول المثل العربي الدارج!
إذن نحن أولا علينا أن نعرف أننا في عمق الحدث، وأننا مقصودون بالضرب، وأننا محاربون من قبل هذه المنظومات الثلاث، وأننا ينبغي أن نتوحد لمواجهة هذه المشاريع الثلاثة، ومن يهون من أمر المشروع الباطني، فهو واهم، فالتاريخ يحدثنا والواقع يبين لنا موقف هذا المشروع الباطني ضد المسلمين ودمائهم وأرضهم وأعارضهم، أما أولئك الذين يقسرون بيان التاريخ، ويلوون أعناق نصوصه، ويستنطقونه موجهين بوصلتهم عكس ما يريد، فأتمنى أن يحقوا في صفحات التاريخ، وصفحات الواقع، ليروا لماذا كان كل هذا! ولم كان الدم السني من أرخص أثمان الدماء، إلا لأن هناك معتقدا مخيفا ورهيبا لم يعد خافيا، بل كان التصريح والتلويح! ويأخذني الجب وأنا أسمع نبرة (أن المستعمر والصهاينة من مشاريعهم هو ابراز الخلاف السني الرافضي)، متعامين عن كل حوادث التاريخ، بل عن فهم أدق تفاصيل هذا المعتقد، وهل كان الاستعمار موجودا في غابر الزمان، عندما سفح الدم السني والعربي على غالب بقاع الأرض الإسلامية! كفاكم فقد زكمت أنوفنا رائحة أقلامكم!
تكافؤ الدماء:
قال النبي صلى الله عليه وسلم: «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ، وَيُرَدُّ عَلَى أَقْصَاهُمْ»
قال ابن بطال:(«شرح صحيح البخاري» لابن بطال (7/ 244):«المسلمون تتكافأ دماؤهم) ، فسوى بين الجميع فى الدماء، فوجب أن يكون حكمهم فيما دون الدماء سواء.»)
فدم أي مسلم لا ينبغي أن يستهان به، فالدم الفلسطيني نفسه هو الدم الشامي و الخليجي….فلا ينبغي التغاضي عن انتهاك دم أو عرض بأي حجة أبدا، فغزة تنزف كما الشام تنزف كما غيرهما سواء بسواء، فلا تكون القضية الفلسطينية صنما ورمزا نقيس عليه كل شيء، بل القداسة والتعظيم والتحريم لكل ديار وأعراض ودماء المسلمين سواء بسواء، نعم قد تأخذ بعض الأماكن قدسية خاصة كالمسجد الأقصى أو الكعبة أو المسجد الحرام، كمكان، ولكن وجود المسلمين هنا لا يعني أبدا أن دماءهم أغلى من دم مسلم في الهند أو أفغانستان أو أبعد من ذلك!
ختاما:
1-عدم تهوين أي مشروع من هذه المشاريع الثلاثة، بل هي مشاريع لتقطيع الأمة وتمزيقها شذر مذر.
2-ضرورة مراجعة التاريخ بوعي وفقه وبصيرة
3-الوعي بفقه السنن، وأن المعتقد الصحيح هو المنجي، وأن القاعدة العظمى تتمثل في قوله تعالى (إن الله لا يصلح عمل المفسدين)
4-ضرورة التنادي لبناء مشروع سني خالص في ظل هذه الموجات العاتية
5-الالتجاء إلى الله وحده، وقطع الأمل بأي بادرة قد تخرج من الحكم العربي، واليأس من ذلك تماما، وتعويل الرجاء بالله تعالى.
اللهم ادفع الظالمين بالظالمين، وأخرجنا من بين أيديهم سالمين غانمين…
اقرأ أيضا: