بعد أن فشل فشلًا ذريعًا في إدارة أزمة سد النهضة، وبعد أن أعطى تعليماته برفع سعر رغيف الخبز؛ لعله يوفر من قوت العباد ما يقيم به اقتصاد للبلاد! عاد السيسي ليتحدث عن تجديد الخطاب الديني وعن تحفيز العقل المصريّ ليتخلص من أوهام العقائد والتصورات الموروثة! وكأنّه كلما فشل في ملف من الملفات أفرغ طاقته “غير النظيفة” في هذه المسائل الشائكة! كالدجاجة المنحوسة إذا أيست من البيض ويبست مبايضها مبكرا شرعت تؤذن كما تفعل الدِّيَكَة! وقديما كان فلاحونا البسطاء إذا رأوا شخصا فُضُوليا يَدُسُّ أَنْفَهُ فيما لا يعنيه، ويكثر الثرثرة والصياح؛ يقولون له بالبلدي متعجبين: “فرخة وادَّنت؟!”.
إي والله إنّها “فرخة وادَّنت”! وهكذا يفعل الدجاج كلما خفتت أصوات الدِّيَكَة، وهكذا يفعل الأقزام إذا قفزوا فوق سُدَّة الحكم فأذعنت لهم الرعية وتَنَعَّجت لهم الخاصة والعامّة، أين أنت أيها الأخرق الأجوف الفارغ من كل شيء إلا المزاعم الخيالية؛ أين أنت من الفكر والدين والاعتقاد؟! أين أنت من هذه المسائل التي لا يتصدى لها إلا الحذاق من العلماء والأفذاذ من الفقهاء؟ ولقد دَعَوْتَ إلى مثل هذا من قبل فَقُوبِلَتْ دعوتُك بالتجاهل التام بعد الاستهجان العام، اللهم إلا من بعض الصغار التافهين الذين لا عقل لهم ولا دين؛ فهلا خجلت وتواريت وانشغلت بشربة الماء ولقمة العيش؛ فقد والله تهددت لقمة عيشنا وشربة مائنا بالفناء والذهاب في عهدك البئيس الملئ بالنحس والبخس والوكس.
وإن تعجب فعجب أمر هؤاء الحكام الذين يتقنون اللعب على الحبال المتخالفة، فبينما هم يعلنون ليلا ونهارا أنّه “لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة” ويحرمون على العلماء أن يتدخلوا في السياسة ولو بالنصح والإرشاد؛ تراهم يقحمون أنفسهم في شئون الدين، كأنّهم من الأئمة الراشدين المهديين؛ فهل يريدون أن يجمعوا على الأمة مصابين: عزل الدين عن السياسة وإخضاعه في نفس الوقت للسياسة؟ هذا – لعمري – ظلم كبير وجرم خطير، وعدوان لا تطيقه الأرض وقاطنوها والسماوات وساكنوها.
انظر إلى السيسي وهو يدعو الشعب إلى التوقف وإعادة التفكير فيما ورثه عن آبائه وأجداده من الدين! أليست هذه دعوة للشك والارتياب؟ أليس بهذا النداء ينثر في أرض مصر بذور الجدال والاقتتال؟! أليس بهذه الدعوة يخالف ما أجمعت عليه الأمّة الإسلامية بكافّة مذاهبها حتى المعتزلة؟! أين وجد هذا في مذاهب المسلمين؟ أو في أقوال الماضين والحاضرين، إنَّ العقل في الإسلام مناط التكليف، لكنّ هذا لا يعني أن نطلب ممن أنعم الله عليهم بالإسلام أن يضعوه جنبا ريثما يفكروا ويتدبروا أمرهم ويصلوا إلى إجابة السؤال: أهذا الدين حق أم باطل؟ إنّ هذا لا يقول به حِمَارٌ يَدّعي الإسلام.
الله تعالى يقول لنا: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْرًا لَكُمْ) (النساء: 170)، و”عبفتاح” يقول لنا راجعوا إيمانكم وتريثوا فيه ولا تعجلوا خيرا لكم، الله تعالى يقول لنا: (وَبِالْحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالْحَقِّ نَزَلَ) (الإسراء: 105)، و “عبفتاح” يقول انتظروا حتى تعلموا أنّه الحق، الله تعالى يقول لنا: (قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ) (المائدة: 15)، و”عبفتاح” يقول لنا ابحثوا بعقولكم عن النور والحق المبين، الله تعالى يقول لنا: (فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ) (الذاريات: 23)، و”عبفتاح” يقول لنا: انتظروا حتى تتأكدوا!!
لنفترض أنّ هذا الشعب الذي زادت عدد وفياته هذا العام فقط بنسبة 31% عما سبقه؛ لشدة ما أصاب الناس من ضراء ولأواء بسبب الداء العضال القابع على عرش البلاد، لنفترض أنّ دعوتك هذه استجاب لها 50% من هذا الشعب المسكين لمدة يوم واحد، فمات منهم من مات على هذه الحال فكم عدد الذين سترسلهم أيها الدعيّ إلى جهنم؟ اسئل أجهزة إحصائك، التي لم تخبرك عن أعداد الذين أفسدت أخلاقهم وخربت معتقدهم، ولا عن أعداد الذين ماتوا جوعا أو مرضا أو كمداً، ولا عن حجم الأموال التي سرقتها من قوت الشعب لتبني بها قصور تغدو وتروح في ساحاتها وباحاتها بسحنتك التي أبغضتها الأرض وما يدب عليها من أحياء.
إنّ دعوة السيسي إلى تجديد الدين هي من قبيل الحقّ الذي أريد به باطل، وإنّ تجديد الدين مسئولية العلماء لا الجهلاء، ومهمة المخلصين لا العملاء المدخولين، وإنّنا إذ نَرُدُّ دعوة الدعيّ الأفاق ندعو علماء الأمة وفقهاءها إلى السعي للتجديد الحقيقيّ الذي لا ينتقص الدين ولا يبدل مضامينه، وإنّما ينفي عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، ندعو العلماء لهذا الواجب الكبير، كما ندعوهم إلى واجب أكبر، وهو قيادة الشعوب إلى التمكين للدين وإلى الخروج على الظالمين الذين اغتصبوا حكم البلاد، وأذلوا وقهروا وجوعوا العباد.
إنّه لَدَى شغور الزمان من سلطان شرعيّ يتوجب على العلماء أن يقودوا الشعوب، لأنّهم أهل الحل والعقد وأولوا الأمر على الحقيقة، ويجب على الشعوب أن يطيعوا العلماء؛ قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) (النساء: 59)، يقول الإمام الجصاص: “وجائز أن يسمى الفقهاء أولي الأمر لأنهم يعرفون أوامر الله ونواهيه ويلزم غيرهم قبول قولهم فيها، فجائز أن يسموا أولي الأمر من هذا الوجه، كما قال في آية أخرى: ﴿لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إذَا رَجَعُوا إلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ﴾، فأوجب الحذر بإنذارهم وألزم المنذرين قبول قولهم، فجاز من أجل ذلك إطلاق اسم أولي الأمر عليهم؛ والأمراء أيضا يسمون بذلك لنفاذ أمورهم على من يلون عليه”([1]).
نسأل الله تعالى أن يحفظ أهل مصر وأن يحفظ عليهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعدهم خوفهم أمنا، ومن بعد جوعهم وعطشهم شبعا وريّا، وأن يكفيهم شرّ السيسي وعسكره .. آمين.