هناك عواملُ مساعدة في نجاح الدعوة الفردية، فوجودُها وكَثرتها يُرجِّح النجاح، وعدم وجودها أو ضَعفها أو قلَّتها، يرجِّح الفشل، وهذه العوامل متعلقة بالأركان السابقة.
أولاً: العوامل المتعلقة بالداعية:
1- الإخلاص:
الدعوة إلى الله تعالى عبادة وعملٌ، ولا يَقبل الله من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه الكريم؛ قال تعالى: ﴿ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ﴾ [البينة: 5].
فينبغي للداعية إلى الله – عز وجل – أن يُخلص نيَّته لله، وأن يَطمَع في الثواب من الله وحْده، وألا يشتري الدنيا بعمل الآخرة، وحسْبُه من الثواب الكبير ما بشَّر به النبي -صلى الله عليه وسلم- في قوله: ((لَأن يهديَ الله بك رجلاً، خيرٌ لك من حُمر النَّعَم)).
وليعلم الداعية إلى الله تعالى أن الله تعالى لا يَلتفت إلى عملٍ لا يكون له، فهل يُنتظر من عملٍ لا يَلتفت الله إليه أن يُبارك فيه؟!
2- الصدق:
بمعنى أن يكون الداعية صادقًا في إرادة إنقاذ هذا الشخص من النار، وأن يكون مُشفقًا عليه، راجيًا له الخير في الدنيا والآخرة.
ولنا مَثل في إبراهيم – عليه السلام – الذي قال: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ ﴾ [مريم: 45].
هذا الشعور الصادق يظهر أثرُه على كلام الداعية وتعامُله وخطابه لمن يدعوه، وكذلك ينبغي أن يكون صادقًا في إرادة نفْع الإسلام به.
3- العلم والفَهم:
لا بد من الفَهم الصحيح والعلم النافع، ولا بد من البصيرة؛ قال تعالى: ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [يوسف: 108].
ولا أقصد بضرورة العلم والفَهم أن يكون الداعية مُحدِّثًا فقيهًا عالمًا بالأصول والفروع – وإن كان هذا خيرًا بلا شكٍّ – ولكن أقصد الحد الأدنى له كداعية يقوم بهذا الدور، فمَن زاد عن الحد الأدنى، فهو أفضل وأدعى إلى نجاح الدعوة.
4- الحكمة:
قال تعالى: ﴿ ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ ﴾ [النحل: 125].
والحكمة هي وضع الشيء في موضعه، والتصرُّف بما يناسب الموقف، والقدرة على موازنة المصالح والمفاسد، وعلى دفْع ما يُمكن دفْعه من المفاسد، وجَلْب ما يمكن جلْبه من المصالح في ضوء قواعد الشرع ومقاصده.
5- القدوة الحسنة ومطابقة الفعل للقول:
لا يمكن أن يكون لكلام الداعية أثرٌ مُعتبر، إلا إذا كان لهذا الكلامِ ما يُطابقه من فعْل الداعية وسلوكه، فلقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قرآنًا يمشي على الأرض؛ قالت عائشة – رضي الله عنها -: “كان خلقُه القرآن”.
فينبغي للداعية أن يكون قُدوة حسنة لأصحابه في كل شيء، حتى في التضحية والبذل؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ ﴾ [الأحزاب: 21].
6- الوقار والسكينة والسَّمت الحسن:
والبعد عن مواطن الشُّبهات والريبة، والترفُّع عن فضول الكلام وكثرة المزاح.
7- التواضع وحُسن الأدب:
ولين الخطاب، وكرَم الضيافة، والالتزام بآداب المجالس والزيارة، ومُختلِف الآداب التي تجعله في ظاهره وباطنه حلوًا مليحًا مقبولاً من الناس، وليس معنى ذلك أن يتوقَّف الداعية عن العمل حتى يُمنح شهادة باستكماله لهذه العوامل! وإنما يدعو ويتحرَّك ويجتهد في نفس الوقت في إصلاح نفسه وتهذيبها، وتقويم ما اعْوجَّ، وينبغي أن يكون الشعور بالتقصير والنقص مستمرًّا مع الإنسان، إلى أن يلقى ربَّه على جَناحَي الخوف والرجاء.
ثانيًا: العوامل المتعلقة بالمدعو:
1- الفطرة الطيبة السويَّة التي تميل بطبْعها إلى الحق والعدل والخير:
فهناك كثير من الأشخاص ما زالت فِطرتهم نابضةً حيَّة، وبالرغم مما يقعون فيه من تفريطٍ أو عصيان، فإنك تجدهم يحبون الحق ولا يعاندون، بل ربما في كثير من المواقف يَنصرونه ويقفون بجانبه، فهؤلاء أفضل بكثير ممن فسَدت فِطرتهم بسبب غرَقهم في الشُّبهات أو الشهوات.
2- التكوين السوي:
وخُلو النفسية من العُقد والأمراض المدمرة؛ مثل: الكِبر، والعُجب، والرياء، وحُب السُّمعة والظهور، والشُّح، والجُبن، والشعور بالنقص، وانعدام الثقة بالنفس، فكل هذه الأمراض عوائقُ في طريق إصلاح الشخص وتقويمه وتَهذيبه.
3- نَجابة العقل وسلامته من اللوثات الفكرية والشُّبهات العقلية.
4- عدم ارتباطه بما يَمنعه من الارتباط بالدعوة والداعية:
والارتباطات كثيرة؛ فهناك من يرتبط بحزب، وهناك مَن يرتبط بجماعة ضالَّة أو مبتدعة، وهناك مَن يرتبط بصُحبة فاسقة ورُفقة سوءٍ، وهناك من يرتبط بمصلحة مادية مُغرية… إلخ.
وهذه العوامل كلما كانت موجودة، سَهُلَت مهمة الداعية.
ولكن ليس معنى ذلك أن يقفَ الداعية مكتوف الأيدي، حتى يجد الشخص الذي تتوافر فيه كلُّ هذه العوامل؛ وإنما المقصود أن يجتهد في إعطاء الأولوية لمن يراه أقربَ وأسرع استجابة، وأصلح لبناء القاعدة الدعوية الصُّلبة.
ثالثًا: عوامل أخرى مساعدة:
وهي مرتبطة بالركنين الثالث والرابع.
من هذه العوامل:
1- سلامة المادة وصحَّتها، وخُلوها من الشطحات والانحرافات في المفاهيم.
2- تنويع المادة: بحيث يستطيع الداعية أن يُعالج بها نفسية المدعو من كل الجوانب، وأن يَدفع بها شُبهاته على اختلافها وتنوُّعها.
3- الجمع بين فقه الشرع وفقه الواقع، والربط بينهما:
بحيث يرى الداعية بجلاءٍ صورةَ الواقع ومدى مخالفته لشرْع الله، ويكون عنده التفسير الشرعي الصحيح لكل ظاهرة من الظواهر.
4- تنويع أساليب التأثير: من الترغيب والترهيب، إلى الحَث والحَض، إلى الإقناع، وهكذا، فلا يكون الداعية دائمًا على وتيرة واحدة.
5- تحيُّن فُرص التأثير: وذلك لأن النفس لا تكون دائمًا على حالة واحدة، فأحيانًا تكون قابلة للتأثُّر، سهلة هيِّنة، وأحيانًا يُصيبها السأَم والملل، أو يَعتريها من الضيق والغضب – بسبب ما – ما يُقلقها ولو نسبيًّا.
6- مواكبة الشحن المعنوي للحركة الظاهرة المحسوسة:
وذلك بأن يَحرص الداعية على إعطاء شِحناته للمدعو على فترات متفاوتة، وأن يَربط كل شِحنة بحركة مساوية لها.
فلا ينبغي أن يدفع الشخص إلى عملٍ بغير شحن معنوي يَحمله عليه، وكذلك لا ينبغي أن يشحن معنويًّا ثم يُترك، فلا يعرف كيف يَصرف هذه الشِّحنة التي قد تنطفئ في نفسه، وتُصيبها بالبلادة بعد ذلك، وقد تَدفعه إلى عملٍ لا يَجلب المصلحة، ولا يدفع المفسدة، وينبغي أن يكون العمل مساويًا من حيث الكم والكيف والمضمون لمستوى الشحن المعنوي ونوعه.
وهذه العوامل التي ذكرتها متعلقة بالأركان الأربعة السابقة، وهناك عوامل أخرى خارجية تؤثِّر في الدعوة بالإيجاب والسلب.
من هذه العوامل:
1- مناخ الدعوة العام المواكب للمنهج الذي عليه الداعية في المكان الذي يُمارس فيه الدعوة الفردية:
فالأماكن التي تَكثر فيها الدروس والخطب واللقاءات، تَسهل فيها الدعوة إلى حدٍّ كبير، والعكس صحيح.
2- مناخ الأسرة والبيئة المحيطة بالمدعو:
فقد يُعرقل عمليةَ الدعوة استبدادُ الأب، أو جزَع الوالدين، أو سوء أخلاق الأشِقَّاء، أو فساد الصُّحبة، وقد يُسهِّل المهمةَ كثيرًا صلاحُ الأسرة ومحافظتها، وانتشار رُوح المودة والترابط فيها.
3- الاتجاه العام لأهل الزمان والمكان:
قد يختلف اتجاه الناس في الزمان الواحد من مكان لآخر، وقد يختلف اتجاههم في المكان الواحد من زمان لآخر، وهذا الاتجاه بلا شكٍّ يؤثِّر في الدعوة الفردية، كما يؤثر في الدعوة العامة من وقتٍ لآخر بالسلب والإيجاب.
4- فُرص اللقاء والاتصال:
ويؤثر فيها بُعْد المسافة أو قِصَرها، وسَعة الوقت أو ضيقه، وتقارُب السن أو تفاوُته، والظروف الأُسرية المحيطة بالداعية والمدعو، ومما لا شك فيه أن هذه العوامل تؤثِّر في الدعوة سلبًا وإيجابًا، وينبغي للداعية أن يستوعبها ويَعرفها معرفة جيدة؛ ليعد لكل أمرٍ عُدته، ولكل ظرف ما يناسبه.