“إن هذا الدين قد بُنِي ابتداءً على أساس في غاية المتانة، وفي غاية النصاعة كذلك، بني على إفراد الله تبارك وتعالى بالربوبية والألوهية، وبالملك والسلطان التام، وعلى هذا الأمر كله، كونيًا وشرعيًا، مرده إلى الله عز وجل، وعلى أن الإنسان مخلوق لعبادة الله، ولا يسعه إلا الرضوخ لإرادته، والالتزام بشريعته.
ومن هنا، فإن روح التشريع الإسلامي تفترض أن السيادة، بمعنى السلطة غير المحدودة، لا يملكها أحد من البشر، فكل سلطة إنسانية محدودة بالحدود التي فرضها الله، فهو وحده صاحب السيادة العليا، ومالك الملك، وإرادته هي شريعة المسلمين التي لها السيادة في المجتمع.
وحيال هذه السيادة الإلهية العليا لا يملك أحد إلا الإذعان والخضوع والانقياد، أما الأمر، والنهي، والتحليل، والتحريم، والتشريع، فكل هذا حق خالص للشارع الحكيم، صاحب السيادة المطلقة، التي لا يشاركه فيها أحد سواه.
وما من شك في أن رسل الله، على جلالة قدرهم، يقفون عند حد التبليغ والإنهاء، ولا يجاوزونه البتة إلى الوضع والإنشاء، وإذا كان هذا هو حال الرسل الكرام، فحال غيرهم من عباد الله، من باب أولى، أبعد ما يكون عن وضع شرع أو إنشاء حكم، فالقول الكاشف للغطاء، المزيل للخفاء، أن الأمر لله، والنبي منهيه، فإن لم يكن في العصر نبي فالعلماء ورثة الشريعة، والقائمون في إنهائها مقام الأنبياء.
من هنا تفترق الشريعة الإسلامية عن القانون الوضعي العلماني في أصل النشأة؛ فالشريعة الإسلامية مصدرها إرادة الله جل وعلا، والقانون الوضعي العلماني مصدره إرادة الشعب”.