يسر الإسلام حجة على الأنام (3)
في كتابه القيِّم (إغاثة اللهفان من مصايد الشيطان) سجَّل الإمام الجليل (ابن القيم) رحمه الله – هذه الملحوظة الدقيقة:
وهي أن الله تعالى وصف شريعة الإسلام بأوصاف كثيرة شريفة ولكنه تعالى لم يسمها تكليفا إلا في جمل تنفي إرادة المشقة على العباد.
قال رحمه الله ” وليس المقصود بالعبادات والأوامر المشقة والكلفة بالقصد الأول، وإن وقع ضمنا وتبعا في بعضها، لأسباب اقتضته لابد منها، هي من لوازم هذه النشأة.
فإن قيل: فقد وقع تسمية ذلك تكليفا في القرآن كقوله تعالى: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ ﴾ [1] وقوله ﴿ وَلَا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [2] قيل: نعم، وإنما جاء ذلك في جانب النفي – أي نفي المشقة – ولم يُسم سبحانه أوامره ووصاياه وشرائعه تكليفا قط” [3].
هذا هو كلامه – رحمه الله – ولم يقصد بالطبع أن شريعة الإسلام ليست تكلفيا، بل كلامه واضح. فالشريعة الإسلامية تكليف نعم، ولكنها قبل أن تكون تكليفا واجب النتفيذ، هي قبل ذلك مصالح للعباد في المعاش والمعاد.
وكون القرآن الكريم لا يسمي الشريعة تكليفا إلا في سياق نفي المشقة عن العبا فهذا المسلك يدل على مقصود الشارع الحكيم في إبراز صفة اليسر بين سائر الأوصاف التي وصف بها شريعته الغراء، لتكون باقة زهر خلابة.
بماذا وصف الله تعالى شريعة الإسلام.
وصفها بأنها حياة.
وصفها بأنها روح.
وصفها بأنها نور.
وصفها بأنها موعظة.
وصفها بأنها شفاء.
وصفها بأنها هدى.
وصفها بأنها رحمة.
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ [4].
وقال جل شأنه ﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُوراً نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ﴾ [5].
وقال ﴿ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ ﴾ [6].
وقال ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ﴾[7].
هذه هي أوصاف الشريعة في القرآن:
أما وصفها بأنها تكليف فلم يأت إلا في سياق نفي المشقة وهذا المسلك – كما قلنا- يبرز مقصود الشارع في رفع الحرج والمشقة لتبرز صفة اليسر بين تلك الأوصاف الشريفة.
فهذه باقة زهر يانعة خلابة تغري بالنظر والاهتمام والاحتفال.
[1] البقرة 286.
[2] المؤمنون 62.
[3] إغاثة اللهفان ص 40،41، كبعة دار المنار، بيروت.
[4] الانفال 24.
[5] الشورى 52.
[6] المائدة 15.
[7] يونس 57.