تقنيات تحقيق العدالة الاجتماعية في الفقه الإسلامي

لا يوجد في حياة الناس أمر يتعلق بمشكلاتهم الحياتية إلا وللإسلام فيه قول فصل وحكم عدل، من ذلك القضايا الكبرى التي تمثل شعارات للثورة ومطالب للثوار، يأتي على رأس هذه القضايا الكبرى قضية العدالة الاجتماعية، فهل اعتنت الشريعة بهذه القضية وهل توجد التشريعات التي تحقق العدالة الاجتماعية وتضع الضمانات لحمايتها؟

في البداية تأتي النصوص الكلّية لتحمّل الحكام مسئولياتهم تجاه الشعوب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ … وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ»[1]، ومن منطلق هذه المسئولية قام رسول الله ومن بعده خلفاؤه الراشدون بتحمل مسئولية تحقيق العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي تجاه الرعية، فعندما  قدم الأحنف بن قيس فى وفد من أهل العراق، فى يوم صائف شديد الحر، وعمر معتجر بعباءة يداوى بعيرًا من إبل الصدقة، فقال :”يا أحنف، ضع ثيابك وهلمّ فأعن أمير المؤمنين على هذا البعير، فإنه لمن إبل الصدقة، وفيه حق اليتيم والمسكين والأرملة. فقال رجل من القوم يغفر الله لك يا أمير المؤمنين، فهلا أمرت عبدًا من العبيد فيكفيك هذا؟! فقال عمر : وأي عبد هو أعبد منى ومن الأحنف؟! إنه من ولى أمر المسلمين فهو عبد المسلمين يجب عليه لهم مثل ما يجب على العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة”، وبهذه السيرة الوضَّاءة شرح أمير المؤمنين وظيفة الدولة مع الشعب، وسهرها الواجب على رعايته وضمان مصالحه وتوفير ضروراته. ولقد كان-رضى الله عنه- مثالا فريدًا فى هذا المجال”[2].

في ظل ذلك الحكم الرشيد تحققت العدالة الاجتماعية والضمان الاجتماعي؛ لأنّ الأوائل التزموا بتطبيق أحكام الشريعة، أمّا في عصرنا الذي سادت فيه المذاهب الليبرالية الرأسمالية المادية فقد اختلت الموازين، وبسبب هذه النظريات وهذه الأفكار “نشأ وضع عجيب؛ وضع يتسم باقتصاد ينمو باستمرار، ورفاهية تتراجع بلا انقطاع، اقتصاد غير مجد فعلاً، اقتصاد يغدق فقراً حقاً”[3]، و”أَحَلَّ إشباع حاجات الشراكات متعددة الجنسيات محل إشباع حاجات البيئة والشعوب الفقيرة”[4].

التقنية الأولى: توزيع الثروة

أول التقنيات التي تحقق من خلالها الشريعة الإسلامية مبدأ العدالة الاجتماعية هي تقنية توزيع الثروة، وهي تقنية تعتمد على إشراك الفقراء ومحدودي الدخل في الملكيات العامة والأموال المشتركة بصورة أقوى من الأغنياء، والمنطلق من هنا من آية الحشر: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (6) مَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (7)) (الحشر: 6-7).

فالأموال التي دخلت على الأمة الإسلامية بقليل من المؤنة والكلفة يجب أن تبقى هكذا كما بينت الآية، والعلة: (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ)، وقد شُرع الحِمى من أجل حماية حقوق الفقراء، لذلك عندما حَمى عمر رضي الله عنه أرضاً للصالح العام وولَّى عليها مولًى له يقال له: هُنَيّ، قال له: يا هُنَيّ ضُمَّ جناحك عن الناس، واتَّقِ دعوة المظلوم فإنَّ دعوة المظلوم مجابة، وأدخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان وابن عوف، فإنهما إن تهلك ماشيتهما يرجعان إلى نخل وزرع، وإن رب الصريمة ورب الغنيمة يأتيني بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين، أفتاركهم أنا لا أبالك، فالكلأ أهون عليَّ من الدينار والدرهم، والذي نفسي بيده، لولا المال الذي أحمل عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا. إليها”[5].

والإمام أبو يوسف يقيس على الغنيمة موارد أخرى تشبهها، فيرى تخميسها؛ فيقول: “فما أصاب المسلمون من عساكر أهل الشرك وما أجلبوا به من المتاع والسلاح والكراع وغير ذلك، وكذلك كل ما أصيب في المعادن من الذهب والفضة والنحاس والحديد والرصاص؛ فإن في ذلك الخمس”[6]، وبنفس الطريقة تقاس الموارد التي تفترق عن المعادن السابق ذكرها بكونها تأتي بغير مشقة ولا كلفة كالنفط والغاز؛ تقاس على الفيء؛ فترد كلها إلى بيت مال المسلمين وتوزع بحسب بيان سورة الحشر، ويون سهم الله والرسول هو الذي تستبقيه الدولة في بيت المال لحاجات الدولة ونفقاتها

فهناك معادن تقاس على الغنائم فتخمس مثلها، وهناك معادن تقاس على الفيء فتبقى مشتركة لصالح المسلمين، وقد فرق الإمام البغويّ في معرض حديثه عن الإقطاع بين هذين النوعين من الثروة، نوع يجوز إقطاعه لمن يحييه وآخر لا يجوز إقطاعه لكونه من المال المشترك، فقال: “أما المعادن، فنوعان: نوع منها يكون نفعه ظاهرا، كالملح في الجبال، والنفط والقارة والكبريت والمومياء؛ فهذا النوع لا يملك بالعمارة، ولا يجوز للسلطان إقطاعه، والناس فيه شرع سواء، فهو كالماء والكلأ، والحجارة، في غير الملك … والنوع الثاني من المعادن: ما يكون نفعه باطنا، لا يُنال إلا بمؤنة، مثل معادن الذهب، والفضة، والحديد، والنحاس، وسائر الجواهر، يجوز للسلطان إقطاع مثل هذه المعادن”[7].

والعلة الفارقة هي المؤنة والكلفة التي بها يستحق الإنسان الاختصاص بالامتياز، قال تعالى: (وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (الحشر: 6)، أي: “فما أوجفتم على تحصيله وتغنيمه خيلاً ولا ركاباً ولا تعبتم في القتال عليه”[8]؛ فبمَ تستحقون الاختصاص به وهو عام مشترك أفاءه الله على المؤمنين كافّة؟! وهذا الذي تقرره الآية الكريمة ينبغي أن يستصحب مع القاعدة الكلية الدستورية (كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ)؛ لمواجهة أولئك الذين يريدون أن يمتلكوا كل شيء خلقه الله وجعله مشتركا بين الناس ومشاعا بينهم على وجه المسامحة؛ ليعيدوا توزيعه معاوضة على وجه المشاححة.

وكما القرآن؛ وقفت السنة النبوية بجانب الأمّة الإسلامية في جهادها المقدس ضد هيمنة الرأسمالية، وضد كل من تسول له نفسه الاستبداد بالثروات العامّة، وضد تلك الفكرة العنصرة الاستعمارية التي تعدّ جرثومة فكرية وبائية؛ فلم يقف الأمر عند حدّ التطبيق العمليّ للآيات، فها هو رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرر قاعدة أخرى تدعم القاعدة القرآنية، فيقول: (المسلمون شركاء في ثلاث: في الكلإ، والماء، والنار)[9]، و عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمُسْلِمُونَ شُرَكَاءُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَاءِ، وَالْكَلَإِ، وَالنَّارِ، وَثَمَنُهُ حَرَامٌ) قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: «يَعْنِي الْمَاءَ الْجَارِيَ»[10]، وهكذا “ذكر الرسول – صلى الله عليه وسلم – بعض الثروات التي لا تملك ملكية خاصة … ويلحق بالماء والكلأ والنار والملح التي ذكرت في الأحاديث واعتبرت ملكية عامة زمن النبي صلى الله عليه وسلم كل ما يجد في هذا الزمان من ثروات طبيعية لا دخل للناس في إيجادها وهي ضرورية لهم بحيث تتعلق بها مصلحة الجماعة”[11]

والأحاديث التي تقرر هذه المعاني كثيرة؛ “ومن جملة هذه الأحاديث يتضح مراعاة حاجة الناس الظاهرة البارزة للمورد الطبيعي، وأن الحاجة العامة للمورد الطبيعي تمنع ولي الأمر من منح امتيازه لأي فئة من الفئات حتى لا يؤدي ذلك إلى احتكاره والإضرار بالناس والتأثير على عرض هذه المادة التي يستفاد من أخذها من المورد الطبيعي مباشرة، حيث إن منح حق امتياز استغلالها لفئة من الناس أو إقطاعها لفئة من الناس أو لشخص أو لأشخاص سيؤدى إلي قلة العرض، وارتفاع سعرها وعجز الناس عن تملكها مع حاجتهم الماسة إليها وشرائها من محتكرها الممنوح له حق امتيازها”[12].

وما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين في كيفية توزيع العطاءات من بيت المال، وفي التوجه العام الدائم إلى إفراغ بيت المال من كل ما يرد إليه أولا بأول، دليل على حرص الدولة الإسلامية والنظام الإسلاميّ على أن يجري المال في أيدي الناس من كل الطبقات، فعن الحسن قال: “كتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري «إذا أتاك كتابي هذا، فأعلمني يوما من السنة لا يبقى في بيت مال المسلمين درهم، حتى يكتسح اكتساحا، حتى يعلم الله أني قد أديت إلى كل ذي حق حقه» قال: الحسن: فأوسع الله عليه، فأخذ صفوها، وترك كدرها، حتى ألحقه الله بصاحبيه”[13]

وروى البيهقي في سننه: ” قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِعَبْدِ اللهِ بْنِ الْأَرْقَمِ: ” اقْسِمْ بَيْتَ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ شَهْرٍ مَرَّةً، اقْسِمْ مَالِ الْمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ جُمُعَةٍ مَرَّةً”،  ثُمَّ قَالَ: ” اقْسِمْ بَيْتَ الْمَالِ فِي كُلِّ يَوْمٍ مَرَّةً “، قَالَ: فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لَوْ أَبْقَيْتَ فِي مَالِ الْمُسْلِمِينَ بَقِيَّةً تَعُدُّهَا لِنَائِبَةٍ أَوْ صَوْتٍ، يَعْنِي خَارِجَةً، قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ لِلرَّجُلِ الَّذِي كَلَّمَهُ: “جَرَى الشَّيْطَانُ عَلَى لِسَانِكِ، لَقَّنَنِي اللهُ حُجَّتَهَا وَوَقَانِي شَرَّهَا، أَعُدُّ لَهَا مَا أَعَدَّ لَهَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طَاعَةَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ”[14].

   وفي هذه السياسة جملة عظيمة من الفوائد، منها أن يجري المال في أيدي الناس؛ مما يشجعهم على ممارسة الأنشطة الاستثمارية الخاصة، ومنها تقليل فرص سوء الاستغلال لحقوق الناس من أيّ موظف، ومنها أن تكون الدولة قدوة للرعية في التخلص من حقوق العباد، ومنها – وهو الأهم – خلق الطبقة المتوسطة أصحاب المشاريع الصغيرة التي إليها يعزى الاستقرار الاقتصادي.

التقنية الثانية: إعادة توزيع الثروة

أمّا التقنية الثانية فهي إعادة توزيع الثروة؛ ومسئولية الدولة في هذا المجال واسعة وممتدة، تشمل قيامها على الزكاة، وحمايتها للأوقاف، وحمايتها لحقوق العمال والأجراء، وتحملها لمسئولية الضمان الاجتماعيّ، وتدخلها في أوقات الحرج والضرورة بأحكام استثنائية مؤقتة تغيث محدودي الدخل، كل هذه المسئوليات تقوم بها الدولة ضمن دورها في تحقيق العدالة الاجتماعية، وجميعها منظمة بأحكام شرعية مفصلة، وجميعها تخضع لسلطان الشريعة.

فأمّا الزكاة فلا خلاف على أنّها من المهام العظام التي تناط في الأصل بنظر الإمام، ولهذا قاتل أبو بكر مانعي الزكاة ووافقه الصحابة إجماعا بعض معارضته في أول الأمر، والأموال الزكوية عند الفقهاء هي: السوائم والزروع والثمار، والمعادن والركاز والأثمان وعروض التجارة، وهذه كلها قسمان أموال ظاهرة وأخرى باطنة، وعامّة الفقهاء على أنَّ ولاية الأموال الظاهرة جمعا وتوزيعا لِوَلِيِّ الأمر من حيث الأصل، وليس من شأن الأفراد على وجه الاختصاص، ولا تُترك لذممهم وضمائرهم وتقديرهم الشخصي، وأما زكاة الأموال الباطـنة من النقود وعـروض التجارة فقد اتفـقوا على أنَّ للإمام أخذها إذا بُذلت إليه، وتوزيعها على أهلها، ولكنهم اختلفوا في كون ذلك واجباً في حقه، حيث يكون له الحق في أن يُجْبِر المسلمين على أداء زكاتهم للدولة، ويقاتلهم على منعها إذا امتنعوا عن أدائها بشوكة، فالجمهور”[15] من الحنفية والشافعية والحنابلة على أنّ الإمام لا يُجْبِرُ أحداً عليها، ولكن إن بذِلت إليه أخذها وأخرجها وصرفها في مصارفها، وأنّه إذا اختار الأفرادُ إخراجها بأنفسهم فلهم الحق في ذلك، وأمّا المالكية”[16]، فقالوا إنّ للإمام الحقّ في أن يطلبها ويجبر الناس إلى أدائها له، غير أنّه يترك لهم إحصاءها ودفعها ولا يبعث عماله لإحصائها وأخذها كما يفعل في الأموال الظاهرة.

وبغض النظر عن الراجح من القولين؛ فإنّ هذا الخلاف لا يقلل من محورية دور الدولة في شأن الزكاة وولايتها عليها، لعدة أسباب، الأول أنّ الأصل الذي اتفق عليه الفقهاء أنّ الزكاة على وجه العموم من مهام الإمام، وأنّ مسألة التفريق بين الظاهر والباطن ظهرت بعد ذلك لمصلحة رفع الحرج عن الأمّة والإمام على السواء، ومن تدبر الآية من سورة التوبة علم “أن ظاهر قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} الآية توجب حق أخذ الزكاة مطلقاً للإمام، وعلى هذا كان رسول الله  صلى الله عليه وسلم  والخليفتان بعده، فلما ولي عثمان، وظهر تغير الناس كره أن تفتش السعاة على الناس مستور أموالهم ، ففوض الدفع إلى الملاك نيابة عنه، ولم تختلف الصحابة عليه في ذلك، وهذا لا يسقط طلب الإمام أصلاً، ولذا لو علم أن أهل بلدة لا يؤدون زكاتهم طالبهم بها”[17]، كل مافي الأمر أنّ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم اختلفت في التعامل مع الأموال الظاهرة عن الباطنة، ولعل ما ذهب إليه مالك من أنّ الإمام يوجه سعاته لحصر وتحصيل الأموال الظاهرة أمّا الباطنة فيترك حصرها لأربابها على أن يؤدوها لبيت المال؛ لعل هذا هو الفرق الذي راعته السنة من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعلها من المسائل التي رجحها وقواها أخذ مالك بعمل أهل المدينة، وهو مستند قويّ في مثل هذه المسائل العملية التي نقلتها الأمة جيلا عن جيل نقلا عمليا متواترا.

 ثمّ إنّ أغلب الأموال الباطنة هذه لم تعد اليوم باطنةً، فأسهم الشركات الكبرى العملاقة صارت معلومة يسهل تتبعها ومراقبتها وحصرها دون اقتحام أسرار الناس؛ لأنّها من حيث الأصل ليست سرا، وكذلك المدخرات التي لم يعد أحد يخفيها؛ حيث إنّ غالبها صار حسابات بنكية مكشوفة للدولة ولأجهزتها الرقابية؛ وعليه فإنّ الأموال الباطنة في زماننا هذا لو وكلت لأصحابها يتولون بأنفسهم إخراجها فلن يضرّ ذلك بأصل المسألة وهي مسئولية الدولة عن الزكاة جمعا وتفريقا.

على أنّ هناك أمر لا ينبغي إغفاله وهو أنّ هذا الخلاف يفيد في تقلب الأيام؛ حيث يمكن أن يأتي من الحكام من لايؤتمن على الزكوات؛ فيفتيهم العلماء بأن يتولوا بأنفسهم إخراجها، ولعل هذه العلة هي التي دفعت كثيرا من الفقهاء إلى القول الذي تبناه الجمهور في مسألة الأموال الظاهرة، وهو توجه يراعي المصلحة العامّة التي راعها عثمان رضي الله عنه ومن جاء بعده من الأئمة.

التقنية الثالثة: تفعيل دور الدولة في الإشراف على الوقف

وأمّا الوقف فهو من أعظم الروافد التي تصب في محيط العدالة الاجتماعية؛ حيث يوفر الوقف فرصا لعلاج كثير من مشكلات المجتمع التي يسببها الفقر أو المسكنة أو غير ذلك مما يتطلب إنفاقا لا يقدر عليه أصحاب الدخول المتَدَنِّيَة، كمشكلات الصحة والتعليم والاغتراب واليتم والبطالة وغير ذلك، ويسهم كذلك في تنمية المجتمع وتوفير خدمات كثيرة في مجالات عديدة، والدولة مسئولة عن رعاية هذا الرافد الكبير وحياطته بالحماية والتوجيه، كما سيتضح معنا بعد قليل.

والوقف في اللغة هو الحبس، وفي الاصطلاح: حبس الرقبة وتسبيل المنفعة، أي: حبس العين عن التمليك وصرف منفعتها في وجوه الخير والبر، وللواقف أن يشترط أثناء وقفه، وشروط الواقفين إن كانت صحيحة ومعتبرة شرعاً وجب مراعاتها، وهناك اختلاف كبير فيما يصح من شروط الواقفين وما لا يصح، وأرجحها أن الشروط الصحيحة هي التي لا تخل بمقصود الوقف ولا تخالف الشرع، وهو مذهب المالكية وبعض العلماء، وهناك خلاف فيما يبطل العقد من الشروط الفاسدة وما لا يبطلها وإن بطل الشرط نفسه، وعلى العموم فإن المالكية والحنفية توسعوا في تصحيح الشروط في العقود.

 والولايةُ على الوقف تنقسم إلى نوعين؛ الأول: الولاية الخاصة، ومُتوليها الواقفُ نفسُه في الغالب، إلا أن يوكل أو يعين ناظرا للوقف، والولي العام ملزم بتنفيذ ولاية من عينه الواقف ناظرًا على الوقف إذا كان مؤهلًا، وتنفيذ شروطه ما لم تكن مخالفة للشرع، ومتى وجد للوقف ناظر خاص فليس للحاكم حقُّ التصرف في الوقف إلا في الحدود التي تسمح له بها صلاحياته كوليٍّ عام، وذلك عند عجز الناظر الخاص، أو وقوع التعدي أو التفريط منه؛ فعندئذٍ له الحقُّ في التدخل لتصحيح المسار، وحفظ مصلحة الوقف، قال ابن تيمية: “ليس للحاكم أن يولي ولا يتصرف في الوقف بدون أمر الناظر الشرعي الخاص، إلا أن يكون الناظر الشرعي قد تعدَّى فيما يفعله، وللحاكم أن يعترض عليه إذا خرج عما يجب عليه”[18]، وقال ابن نُجيم رحمه الله تعالى: “القاضي لا يملك عزلَ القيِّم على الوقف إلا عند ظهور الخيانة منه، وعلى هذا: لا يملك القاضي التصرف في الوقف مع وجود ناظر ولو من قبله”[19]، وذلك كله جريا على القاعدة التي قرَّرها الفقهاء أن: “الولاية الخاصة أقوى من الولاية العامة”[20]، لكن الولاية الخاصة على الأوقاف تثبت لولي الأمر في حالة عدم وجود وليٍّ خاصٍّ لها، وكذلك في حالة خلوها من الوليِّ الخاصِّ بعد وجودها، وفي حالة تعذر قيام الولي الخاص بمهام الولاية على الأوقاف، أو تعديه أو تفريطه فيما ولي عليه، وهذا كله متفق عليه عند الأربعة[21]، لحديث: (السُّلطان وليُّ من لا وليَّ له)[22]، وللنصوص العامّة التي تحمل أولياء الأمور مسئولية الرعية.

أمّا النوع الثاني فهو الولاية العامة على الأوقاف، وهي من اختصاص الحاكم؛ قال ابن جماعة في مهام وواجبات ولاة الأمر: “النظر في أوقاف البر والقربات، وصرفها فيما هي له من الجهات، وعمارة القناطر، وتسهيل سبل الخيرات”[23]، ومن أمثلة ذلك ما فعله عمر بن الخطاب رضي الله عنه من إنشاء ديوان بيت المال، وجعل من مهامه: الإشراف على الأراضي التي وقفها على المسلمين بعد فتحها؛ كالشام، والعراق، وغيرهما[24]، وقد استقرَّ عملُ المسلمين على إنشاء ديوان للأوقاف، وإسناد الإشراف على الأوقاف للقضاة لمصلحة الوقف، وتعيين ناظر عليه، ومحاسبته في حال التعدي أو التفريط[25].

ومن مسئوليات الدولة تجاه الأوقاف: محاسبة الولاة والنظار على الأوقاف ومتابعتهم، سواء أكانوا ولاة على الأوقاف العامة أم الخاصة، وتوجيههم للقيام بوظائفهم ومسؤولياتهم تجاه الوقف، وذلك أنَّ محاسبة الولاة ومتابعتهم والتأكد من قيامهم بالأمانة وحفظهم لمصلحة الولاية التي كلفوا بها من واجبات ولي الأمر، وهذا مما لا خلاف فيه بين أهل العلم[26].

التقنية الرابعة: تفعيل دور الدولة في تحقيق الضمان الاجتماعي

وأمّا عن الضمان الاجتماعيّ وحقوق العاملين، فإنّه من صلب وظائف الدولة في الشريعة الإسلامية، فالدولة الإسلامية ترعى حق كل عامل في تقاضي الأجر الذي يكافئ عمله ويتناسب معه، وحقه في ألا يكلف من الأعمال مال لا يطيق، بالإضافة على حقوق أخرى تعود إلى هذين الحقين، والقرآن يضمن هذه الحقوق، وذلك بالأوامر الإجمالية التي تدخل فيها هذه الحقوق، وذلك مثل قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) [النساء : 58] وقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ) [النحل : 90]، بالإضافة إلى آيات كثيرة تحرم الظلم. وقد فصلت السنة هذا الإجمال، فمن الأحاديث الهامة قول النبي صلى الله عليه وسلم (وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ)[27] وقوله: (أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ).[28] وقوله: (قَالَ اللَّهُ ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) وذكر منهم: (وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ، وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ)[29]، هذه الحقوق تقررها الشريعة، والدولة بما أنّها مسئولة عن تطبيق الشريعة وتنفيذها يجب عليها أن تقوم حراسة هذه الحقوق.

وعلى الدولة أن تضمن لمواطنيها العيش الكريم الذي يضمن لهم المسكن والمطعم والمشرب والرعاية الصحية … إلخ، وهذا هو ما صنعه الإسلام بتوجيهات القرآن منذ اللحظة الأولى لتأسيس الدولة الإسلامية، وقد تجلى في الآتي:

– في العام الثاني من الهجرة فرض الله الزكاة، وهي قدر محدود واجب في مال الغني يدفعه للدولة؛ لتعطيه للفقير والمسكين وغيرهما من المعوزين، وهذا – بلا شك – رافد من روافد الضمان الاجتماعي.

– حث القرآن الكريم على الإنفاق في سبيل الله وعلى كفالة الأيتام والعطف على الفقراء والمساكين والتصدق بالليل والنهار سرًّا وعلانية، وعلى إطعام الطعام وصلة الأرحام وعلى الجود والكرم والتكافل.

– تم تأسيس بيت المال، وكان له روافد عديدة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه ومن بعدهم يعطون منه العطايا ويكفلون منه طلاب العلم والفقراء والمساكين واليتامى… وغيرهم.

ومن الآيات التي ذكرت – بإجمال – مسئولية الدولة عن الضمان الاجتماعي للأفراد قول الله تعالى: (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ) [الأحزاب : 6] فهذه الآية يدخل في معناها: أن النبي صلى الله عليه وسلم أولى بتحمل المسئولية عن كل مسلم[30]، ومما يؤكد هذا المعنى قول النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة للصحابة: (مَا مِنْ مُؤْمِنٍ إِلاَّ وَأَنَا أَوْلَى بِهِ في الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ اقْرَأُوا إِنْ شِئْتُمْ: (النَّبِىُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) [الأحزاب : 6]؛ فَأَيُّمَا مُؤْمِنٍ مَاتَ وَتَرَكَ مَالاً فَلْيَرِثْهُ عَصَبَتُهُ مَنْ كَانُوا، وَمَنْ تَرَكَ دَيْنًا أَوْ ضَيَاعًا – أي عيالاً يخشى عليهم الضياع – فَلْيَأْتِنِي فَأَنَا مَوْلاَهُ)[31].

وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ  أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُؤْتَى بِالرَّجُلِ الْمُتَوَفَّى عَلَيْهِ الدَّيْنُ فَيَسْأَلُ: (هَلْ تَرَكَ لِدَيْنِهِ فَضْلاً) فَإِنْ حُدِّثَ أَنَّهُ تَرَكَ لِدَيْنِهِ وَفَاءً صَلَّى، وَإِلاَّ قَالَ لِلْمُسْلِمِينَ: (صَلُّوا عَلَى صَاحِبِكُمْ) فَلَمَّا فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْفُتُوحَ قَالَ (أَنَا أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، فَمَنْ تُوُفِّىَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَتَرَكَ دَيْنًا فَعَلَيَّ قَضَاؤُهُ، وَمَنْ تَرَكَ مَالاً فَلِوَرَثَتِهِ)[32] ومعنى هذا: أنه بعد تأسيس الدولة، وإيجاد الروافد الاقتصادية التي تؤهلها للقيام بمسئولياتها صار من هذه المسئوليات كفالة الأفراد، حتى إنّ من مات وعليه دين فالدولة تقضيه عنه.

والدولة الإسلامية قامت بكفالة عمالها، قال صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ لَنَا عَامِلاً فَلْيَكْتَسِبْ زَوْجَةً فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَلْيَكْتَسِبْ خَادِمًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَسْكَنٌ فَلْيَكْتَسِبْ مَسْكَنًا) [33]، قَالَ أَبُو بَكْرٍ أُخْبِرْتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ (مَنِ اتَّخَذَ غَيْرَ ذَلِكَ فَهُوَ غَالٌّ أَوْ سَارِقٌ)[34]، ولقد سار الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفاؤه من بعده على هذا النهج، فهذا عمر يقول: (والله لو عثرت بغلة في العراق لخشِيتُ أن يسألني الله عنها يوم القيامة: لِمَ لَمْ تمهد لها الطريق يا عمر)، وهذا عمر بن عبد العزيز الخليفة الأموي دَارَ عمالُهُ على جميع بلدان الدولة الإسلامية المترامية الأطراف في قارّات العالم القديم من الصين إلى الأطلس فلم يجدوا فيها فقيرًا يأخذ الزكاة ولا مسكينًا ولا مدينًا؛ وهذا لأن الضمان الاجتماعيَّ عمَّ كل الأمصار والأقطار، وغمر كل البقاع والأصقاع.

التقنية الخامسة: حماية السوق

السوق هو رُمَّانة ميزان الحياة الاقتصادية، فإن اختل اختل باختلاله الاقتصاد واختلت كذلك العدالة الاجتماعية؛ لذلك أولاه الإسلام عناية خاصة؛ فوضع القواعد والأسس والأحكام التي تنظم الأسواق وتضبط أداءها وتمنع الاستبداد بها من قبل التجار، فالأصل في الأسواق إمضاؤها على قانون العرض والطلب، والأصل في الاسترباح الحرية، والأصل في المعاملات والعقود الصحة والجواز، والأصل أنّ الرضى ركن العقد في جميع هذه المعاملات، لكن قد يطرأ على السوق ما يوجب التدخل من قبل الدولة، وذلك إذا أساء التجار التعامل مع الأصل، كأن يتواطأ التجار في تخصص معين على رفع السلعة، أو يحتكر بعضهم السلعة أو توكل بيعها فيستبد بالأسواق، وفي هذه الحالات تتدخل الدولة لمنع تلاعب التجار.

وسوف نستعرض نموذجين لتدخل الدولة في الحفاظ على السوق، الأول منع الاحتكار، والثاني الاضطرار إلى التسعير خلافا للأصل، و”الاحتكار هو حبس مال أو منفعة أو عمل، والامتناع عن بيعه وبذله حتى يغلو سعره غلاءً فاحشاً غير معتاد، بسبب قلته وانعدام وجوده في مظانه مع شدة حاجة الناس أو الدولة أو الحيوان إليه”[35].

وجمهور الأحناف[36]، ومعهم بعض الشافعية[37] على أنّ الاحتكار مكروه، أما جمهور العلماء[38] فقد ذهبوا إلى تحريم الاحتكار وتأثيم فاعله، ووجوب اتخاذ الإجراءات الشرعية لرفع ضرره عن الناس، وعمدة الجمهور في ذلك أحاديث، منها: عن معمر بن عبد الله مرفوعاً: (لا يحتكر إلا خاطئ)[39] وعن عمر بن الخطاب مرفوعا: (من احتكر طعاماً أربعين ليلة فقد برئ من الله تعالى وبرئ الله تعالى منه)[40]، وعن أبى هريرة مرفوعا: “من احتكر حكرة يريد أن يغلى بها على المسلمين فهو خاطئ”[41]، ففي حديث معمر تصريح بتأثيم المحتكر، وهذا يدل على حرمة الاحتكار، وفي الأحاديث الأخرى تأكيد.

والدولة مسئولة عن منع الاحتكار بوسائل عديدة، تصل إلى حدّ قيام الدولة بالبيع على المحتكر، وهذه إحدى الحالات التي تستثنى من قاعدة: “إنّما البيع عن تراض” لأنّ الإكراه هنا بحق، فعندما يقع الضرر بالعامة بسبب الاحتكار فإنه “يجب على ولى الأمر التدخل سياسة لرعاية المصلحة العامة للمسلمين، وحماية لهم من الاستغلال والجشع”[42]، ويكون التصرف عندئذ بأن “يأمره القاضي ببيع ما فضل عن قوته وقوت أهله، فإن لم يبع بل خالف أمر القاضي عزّره بما يراه رادعاً له، وباع القاضي عليه طعامه وفاقاً”[43] وهكذا في غير الطعام، وهذا واجب ولى الأمر أو من ينوب عنه، يقول الإمام ابن القيم: “ولهذا كان لولى الأمر أن يكره المحتكرين على بيع ما عندهم بقيمة المثل، وعند ضرورة الناس إليه”[44].

أمّا التسعير فالأصل فيه المنع، وجمهور الفقهاء من الحنفية[45] والمالكية[46] والشافعية[47] والحنابلة[48] على عدم جواز التسعير في الأحوال العادية التي يستقر فيها السوق، ولا يظهر فيه ظلم التجار، ولا الغلاء المفتعل في الأسعار، ودليلهم حديث أنس قال “غلا السعر في المدنية، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال الناس: يا رسول الله: غلا السعر فسعر لنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله هو المسعر القابض الباسط الرازق، وإنى لأرجو أن ألقى الله تعالى وليس أحد منكم يطلبنى بمظلمة في دم ولا مال)[49] فهذا الحديث يبين أولاً أن التسعير من حيث الأصل لا يكون بالقرارات، وإنما هو بيد الله تعالى الذي يقبض ويبسط، “فإذا قبض وقل الرزق عن حاجة الخلق، أي قل العرض عن العرض ارتفع السعر، وإذا بسط الرزق فزاد عن حاجة الخلق، أي زاد العرض عن الطلب انخفض السعر”[50]، ويبين ثانيا حكم التدخل بالتسعير؛ لرجائه في آخر الحديث أن يلقى الله بلا مظلمة لأحد.

أمّا إذا تغير السوق وخرج عن طبيعته وقوانينه الفطرية بأسباب مفتعلة فعندئذ يجب على الدولة أن تتدخل، وقد ذهب الحنفية[51] وبعض المالكية[52] وابن تيمية وابن القيم من الحنابلة إلى جواز التسعير في هذه الحال، واستدلوا على ذلك بما روى في الصحيحين والموطأ من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من أعتق شِرْكا له في عبد -وكان له من المال ما يبلغ ثمن العبد -قوم عليه قيمة عدل لا وكس ولا شطط، فأعطى الشركاء حصصهم وعتق عليه العبد”[53] ووجه الدلالة في الحديث أن النبي قاس نصيبه بالثمن المحدد، وهذا هو عين التسعير الذي يكون عند الحاجة إليه “فإذا كان الشارع يوجب إخراج الشيء عن ملك مالكه بعوض المثل لمصلحة تكميل العتق، ولم يمكن المالك من المطالبة بالزيادة على القيمة، فكيف إذا كانت حاجة الناس إلى التملك أعظم”[54]

وهذا المذهب هو الأولى بالاعتبار والقبول من مذهب الجمهور الذين استدلوا بعموم حديث أنس على المنع من التسعير في جميع الحالات؛ للآتي:

1- أن استدلال الجمهور النبي امتنع عن التسعير برغم أن الناس أخبروه بأن السعر قد غلا استدلال ضعيف؛ لأن غلاء السعر على عهد رسول الله صلى الله عله وسلم “لم يكن بسبب التجار، ولم تكن الشكوى بسببهم، فإنهم كانوا جميعاً من الصحابة الكرام خير أمة أخرجت للناس، ولذلك بين النبي أن الله تعالى هو المسعر القابض الباسط”[55] وهذا يدل على أن الغلاء كان من نوع الغلاء الطبيعي الذي لا دخل لتلاعب التجار فيه، ومثل هذا الغلاء لا يستدعى تدخل الإمام بالتسعير، أما الغلاء الذي يستدعي التسعير فهو الذي يكون بسبب جشع التجار وتحكمهم في السوق.

2- أن القول بجواز التسعير في هذه الحالة “يوافق روح الشريعة التي تقوم أصلاً على مراعاة الصالح العام، وقد قيل: أينما وجدت المصلحة فثم شرع الله، وإذا كانت المصلحة الفردية قد روعيت في كثير من الأحاديث والوقائع، فإن مراعاة المصلحة العامة تكون من باب أولى”[56].

3- أن “السوق موضع عصمة ومنفعة للمسلمين، فلا ينبغي للوالي أن يترك أهل الأسواق وما أرادوا من أنفسهم إذا كان في ذلك فساد لغيرهم”[57].

التقنية السادسة: العدالة في فرض التوظيف (الضرائب)

مصطلح “ضريبة” قليل الاستعمال في كلام الفقهاء ، وفي مصنفاتهم عبروا عنها بمصطلحات أخرى مثل: “الكلف السلطانية .. النوائب .. الوظائف .. الخراج .. العشور .. المكوس” ومرادهم بذلك غالبا: “المقدار من المال الذي تُلْزِم الدولة الأشخاص بدفعه لها من أجل تغطية النفقات العامة للدولة”[58].

وقد تعرض الفقهاء لمسألة توظيف الأموال على الأغنياء عند الحاجة وقرروا جواز ذلك، بشروط منها أن تقوم بالمسلمين حاجة إلى ذلك؛ فلا يجوز أن يفرضها الإمام ابتداء، ومنها أن يقصر بيت المال عن الوفاء بالحاجة النازلة، ومنها أن تفرض على الأغنياء أولا ثم على من يليهم، ومنها أن يُكتفى في فرضها على قدر الحاجة، وجميع هذه الشروط تُعلم بتتبع أقوالهم، وقد جمعها العز ابن عبد السلام في فتواه: “إذا طرق العدوّ بلاد الإسلام وجب على العالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعيّة ما تستعينون به على جهادكم، بشرط ألّا يبقى فى بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كلّ الجند على مركوبه وسلاحه ويتساووا هم والعامّة. وأمّا أخذ الأموال من العامّة مع بقايا فى أيدى الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا”[59]، وقد اتفق العلماء على أنه إذا نزلت بالمسلمين حاجة بعد أداء الزكاة فإنه يجب صرف المال إليها، قال مالك رحمه الله: “يجب على الناس فداء أسراهم وإن استغرق ذلك أموالهم. وهذا إجماع”[60]. وظاهر من كلام العلماء أن فرض الضريبة تدبيرا مؤقتا حسبما تدعو إليه الضرورة والمصلحة العامة للدولة فيوظف الإمام على الناس بقدر الحاجة على أن ينتهي هذا الأمر بزوال العلة الداعية وانتهاء الحاجة. إذ أن تصرف الإمام في فرض الضريبة منوط بالمصلحة فالقاعدة الفقهية تقول : “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة”[61]، واشترطوا أن يكون توزيع الأعباء عادلا، على الموسع قدره وعلى المقتر قدره بالمعروف.

ونظام الضريبة على هذا النحو يسهم بقدر كبير في تحقيق العدالة الاجتماعية، ونحن نرى الآن الشعوب في العالم كله تعاني بسبب غياب الشروط العادلة التي وردت في الإسلام، فالرأسمالية فرضت على الأنظمة الاستجابة لمطالبها باسم تحرير رأس المال، واستجابت الأنظمة حتى في أعتى الديمقراطيات لضغوطها، وقد ترتب على ذلك انعدام المساواة، الذي يزيد يوما بعد يوم، وقد “بدأت اللامساواة في الازدياد؛ عندما قام رونالد ريجان ومرجريت تاتشر بخفض الضرائب على الأغنياء، وتدمير اتحادات العمال، ووضع قيود على نمو الإنفاق الحكومي”[62]، وبهذا الذي قدمناه يتأكد تميز النظام الإسلامي بعظمة دور الدولة في تحقيق العدالة الاجتماعية.

التقنية السابعة: إقامة النظام المالي والاقتصادي وفق أحكام الشريعة

يقوم النظام المالي والاقتصادي في جميع النظم المعاصرة على الربا، فالقاعدة المشهورة المنشورة “لا اقتصاد إلا ببنوك، ولا بنوك إلا بالربا” صارت منذ وقت مبكر إحدى المسلمات في عالم الاقتصاد، وعلى الرغم من الدروس العملية القاسية التي تلقاها العالم عبر موجات الكساد ولاسيما الانهيار الكبير في أواخر العقد الثالث من القرن العشرين وأزمة الرهن العقاري في العقد الأول من الألفية الثالثة، على الرغم من ذلك لم يبد النظام الدولي أيّ محاولة للخلاص من ذلك الإخطبوط المهيمن على اقتصاد الدنيا، اللهم باستثناء بعض الدول التي سعت إلى التقليل من الفائدة حتى نجح القليل منها في تصفيرها أو ما يقرب من ذلك، وها هو الربا يستمر في هيمنته، وها هي البنوك المركزية تستمر في خضوعها لهذه الهيمنة وفي إخضاعها لسائر البنوك وجميع الأنظمة للمنظومة الدولية الربوية المحكمة.

والربا في ديننا محرم بالكتاب والسنة والإجماع، وتحريم الربا من المحكمات في الشريعة الإسلامية، ومن مسائل الإجماع عند كافّة العلماء، بل ومن الأمور المعلومة من الدين بالضرورة، وهو قسمان، ربا الديون، وربا البيوع؛ فأمَّا ربا الديون، فهو الذي نزل القرآن الكريم بتحريمه وإبطاله، وهذا النوع يطلق عليه أحياناً ربا النسيئة، ويطلق عليه أحياناً أخرى ربا الجاهلية، وأمّا ربا البيوع فهو الذي حرم في السنة، في أحاديث كثيرة صحيحة وردت عن عبادة وأبى مسعود وأبى هريرة وغيرهم، وقد يطلق عليه في بعض كتب الفقه على سيل التساهل ربا الفضل، وهو إطلاق غير دقيق؛ لأن هذا النوع يشتمل على فضل ونسيئة.

وربا الديون له صور كثيرة وقعت في الجاهلية الأولى وتقع في الجاهلية المعاصرة، منها أن يكون للرجل على الرجل دين، فإذا حل أجل الدين قال له: “إما أن تقضى و إما أن تُربى، أي  تُزيد في الدين”[63]، ومنها القرض المشروط من بدايته بزيادة، قال الإمام الجصاص: ” والربا الذي كانت العرب تعرفه وتفعله إنما كان قرض الدراهم بالدنانير إلى أجل  بزيادة على مقدار ما استقرض على ما يتراضون به”[64]، ومنها القرض المشروط من بدايته بزيادة لا تدفع في نهاية الأجل كالصورة السابقة وإنما تدفع على أقساط شهرية، ورأس المال باق على حاله[65]، ومنه الربا المضاعف، وهو أفحش أنواع الربا الجاهلي، حيث “كان أحدهم إذا حل أجل دينه ولم يوفه الغريم أضعف له المال وأضعف الأجل، ثم يفعل ذلك عند الأجل الآخر”[66] وهكذا كلما تأخر الدين زاد الربا وتضاعف “فربما تضاعف القليل حتى يصير كثيراً مضاعفاً”[67]، وهذه بعينها هي التي تقع الآن في البنوك الربوية، مما يؤكد أن فوائد البنوك الربوية هي ربا الجاهلية الذي نزل القرآن بتحريمه وتجريم فاعله، والذي قضى النبي بوضعه ورده وإبطاله.

وقد تَوَلَّت الدولة في صدر الإسلام، عبر إجراءات عملية وقرارات كبرى مصيرية، تَوَلَّتْ إبطال النظام الربويّ ووضعه؛ ليقوم النظام الاقتصادي الإسلاميّ على طريقة لا ربوية، فقد قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع خطيبا؛ ليقرر في خطبة الوداع جملة من الخطوط العريضة في السياسة والاقتصاد والاجتماع، فكان مما قال: (…وربا الجاهلية موضوع، وأول ربا أضع ربانا، ربا العباس بن عبد المطلب فإنه موضوع كله)[68]، فكانت هذه الكلمات بمثابة تقرير لحكم شرعيّ كما كانت بمثابة قرار سياسيّ من رأس الدولة بتنفيذ هذا الحكم الشرعيّ وتطبيقه في واقع الحياة، وبلغت الصرامة إلى حدّ أنّ أهل الطائف امتنعوا عن تحريم الربا فنزل القرآن منذرا لهم بالحرب: (فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 279)، وآذنهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحرب؛ فتابوا وآبوا، وكانت هذه الواقعة مع واقعة قتال الصحابة لمانعي الزكاة مستند الإجماع على قتال الطائفة الممتنعة عن شريعة من شرائع الإسلام الظاهرة المتواترة.

هذا النظام الذي حرم الربا أقرّ الشركات بأنواعها وشجع عليها، من عنان ومضاربة ومساقاة ومزارعة وغير ذلك، ووضعت الشريعة قواعد وضوابط استند عليها العلماء المعاصرون لتنظيم الأنواع المعاصرة من الشركات كالمساهمة وغيرها، وتستطيع الدولة المسلمة في حصرنا الحاضر أن تقيم نظاما إسلاميا بالغ الأثر في تحقيق الرواج الاقتصادي مع عدم الإخلال بالعدالة الاجتماعية، وذلك عبر تفعيل آلية الصكوك المتنوعة المعتمدة على المساحات الواسعة في المباح، مثل صكوك المزارعة والمغارسة والمساقاة والمضاربة والسلم وغيرها من الصكوك التي يؤكد خبراء الاقتصاد عظمة جدواها.

والحكمة البالغة في تحريم الربا هي أنّه يخل بالعدالة الاجتماعية؛ حيث يؤدي بمرور الزمن إلى شطر المجتمع إلى طبقتين متباينتين أعظم التباين، طبقة يتقلص عددها وتتضخم ثرواتها يوما بعد يوم، وطبقة أخرى يتضخم عددها ويتقلص دخلها يوما بعد يوم، وذلك بسبب فلسفة ولادة المال من المال مباشرة دون مخاطرة، وبسبب سحق الطبقة الوسطى وأصحاب المشاريع الصغيرة بسبب الهيمنة الاقتصادية للمرابين أصحاب الثروات الهائلة والمشاريع العملاقة التي لا يستطيع أحد منافستها.

خاتمة

إنّ الشريعة الإسلامية مصدر كل خير وبر، وهي التي تحمل في طياتها أسباب السعادة للإنسان في الدنيا وأسباب النجاة له في الآخرة، وبهذا الخير نفرح وله نكبر: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ (57) قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ (58)) (يونس: 57-58).


الهامش

[1] رواه البخاري ك الجمعة برقم “850” (ج2 ص694)، ومسلم ك الإمارة برقم “3414” ( ج 5 ص 2393)

[2] الإسلام والأوضاع الاقتصادية – محمد الغزالي – دار نهضة مصر – الطبعة : الأولي ص: 68

[3] اقتصاد يغدق فقرا – هورست أفهيلد – ترجمة د. عدنان عباس علي – عالم المعرفة 335 – الكويت – ط 2007م ص 277

[4] التغير العالميّ من أجل بشرية أكثر إنسانية – إيدموند . ج . بورن – ترجمة سماح خالد زهران – المركز القومي للترجمة – مصر – ط 2015م – الهيئة العامة للمطابع الأميرية ص 116

[5] صحيح البخاري 4/71 برقم (3059) – الأموال لابن زنجويه 2/666 برقم (1108)

[6]كتاب الخراج – أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري – المكتبة الأزهرية للتراث ت: طه عبد الرؤوف سعد ص 30

[7] شرح السنة للبغوي (8/ 277- 279)

[8] تفسير النسفي = مدارك التنزيل وحقائق التأويل (3/ 457)

[9]سنن أبي داود (3/ 278) مسند أحمد ط الرسالة (38/ 174) السنن الصغير للبيهقي (2/ 329) وقال الزيلعيّ في نصب الراية (4/ 294): قال البيهقي في المعرفة: وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كلهم ثقات، وترك ذكر أسمائهم في الإسناد لا يضر إن لم يعارضه ما هو أصح منه

[10]سنن ابن ماجه (2/ 826)

[11] المشكلة الاقتصادية وكيف تحل في ضوء الكتاب والسنة – إعداد د. حسين مطاوع الترتوري (1) مجلة البحوث الإسلامية (30/ 187)

[12](الخصخصة) من المنظور الإسلامي – نظرات في موضوع بيع القطاع العام للأفراد – د. محمد بن عبد الله الشباني – مجلة البيان (80/ 24)

[13] الأموال لابن زنجويه (2/ 563)

[14] السنن الكبرى للبيهقي (6/ 581)

[15] ر: بدائع الصنائع للكاساني 2/35 – الحاوي الكبر للماوردي 2/472 – المهذب للشيازي 1/308 – المغني للابن قدامة 2/479-480

[16] ر: المدونة للإمام مالك بن أنس 1/335 – الذخيرة للقرافي 3/150 – أسهل المدارك للكشناوي 1/373

[17] فتح القدير – الكمال ابن الهمام – دار الفكر – -/162

[18] مجموع الفتاوي31/65.

[19] الأشباه والنظائر لابن نجيم  ص: 134 – البحر الرائق لابن نجيم 5/236

[20] الأشباه والنظائر لابن نجيم ص:160، والأشباه والنظائر للسيوطي ص:171.

[21] البحر الرائق 5/241، والقوانين الفقهية ص376-377، والحاوي 9/397، والإقناع 3/16، وشرح منتهى الإرادات 2/11.

[22] أخرجه أحمد في مسنده 6/47، 66، وأبو داود ي 3/229، برقم 2083، والترمذي 2/280-281، وقال: «حديث حسن»

[23]تحرير الأحكام في تدبير أهل الإسلام 1/68

[24] الخراج ص 27، والأموال لأبي عبيد ص 86، والأحكام السلطانية 1/395

[25] الأحكام السلطانية 1/120، وحسن المحاضرة 2/167

[26] البحر الرائق 5/262، والبيان والتحصيل 12/223، والفروع 4/599.

[27] رواه البخاري (30 )، ومسلم (4405).

[28] رواه ابن ماجة (2537)، والبيهقي في السنن(11988)، و الإرواء (1498)” صحيح”.

[29] رواه البخاري (2227)

[30] انظر: تفسير الطبري (10/258)، ابن كثير (3/617)

[31] رواه البخاري (2399)

[32] رواه البخاري (2298)

[33] رواه أبو داود (2945)، الحاكم ف المستدرك (1473) وصححه على شرط البخاري.

[34] رواه أبو داود (2947)، والبيهقي في السنن(13399)، وصححه الألباني فى صحيح الجامع(6486).

[35] بحث الدكتور/ ماجد أبو رضية “والاحتكار دراسة فقهية مقارنة، انظر ص 463 من كتاب بحوث فقهية في قضايا اقتصادية معاصرة.

[36] الهداية 4/92، وتبيين الحقائق 6/27، وحاشية ابن عابدين 6/398.

[37] المهذب للشيرازي 1/292.

[38] انظر: التنبيه 1/96، حاشية البجيرمي 2/255، نهاية الزين 1/229 الإنصاف 4/338 المبدع4/47، المحلى 9/64، والسيل الجرار 3/80 

[39] رواه مسلم ك المساقاة والمزارعة باب تحريم الاحتكار من الأقوات برقم 130/1605ج4 ص219

[40] أحمد 2/33 والحاكم 2/11 وابن أبى حاتم في العلل 1/393 

[41] رواه أحمد المسند، والحاكم ضعيف الجامع برقم 5350 والترغيب 3/28.

[42] أحكام الاحتكار د. محمد حلمي السيد – بحث بمجلة كلية الشرعية والقانون بالأزهر – عدد 18 لسنة 1999 م ص 448 

[43] الدر المختار مع حاشية ابن عابدين 6/399.

[44] الطرق الحكمية ص 354.

[45] تحفة الملوك 1/235 حاشية ابن عابدين 6/399 الهداية 4/93.

[46] الكافي لابن عبد البر 1/360، الاستذكار 6/412.

[47] إعانة الطالبين 3/25 المهذب 1/295 حاشية البجيرمي 2/225.

[48] الروض المربع2/57 المغني 4/151 الإنصاف.

[49] رواه أبو برقم 3451ج3 ص1498 رواه الترمذي برقم 1314 وقال أبو عيسى هذا حديث حسن صحيح. رواه ابن ماجه برقم 283.

[50] فقه البيوع والاستيثاق والتطبيق المعاصر د علي أحمد السالوس  ص82.

[51] حاشية ابن عابدين 6/400، تحفة الملوك 1/235.

[52] التاج والإكليل 4/380، القوانين الفقهية 1/165.

[53] رواه البخاري باب إذا أعتق عبد بين اثنين برقم 2522 ج 5 ص 273، مسلم باب من أعتق شركا له في عبد برقم 1501 ج 4 ص 105.

[54] فقه البيع والاستيثاق – د. علي السالوس ص 82.

[55] السابق ص 82.

[56] حكم التسعير في الإسلام، ك بحوث فقهية ص 378.

[57] الاستذكار لابن عبد البر ط دار الكتب العلمية 6/413

[58] معجم المصطلحات المالية والاقتصادية في لغة الفقهاء – نزيه حماد – دار القلم – دمشق – ط الأولى 1429ه –  2008 م،ص289-290

[59] تاريخ الخلفاء 1/334 و النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة – يوسف بن تغري بردي الحنفي، دار الكتب، مصر ج7/72-73

[60] الجامع لأحكام القرآن – أبو عبد الله محمد بن أحمد القرطبي – دار الكتب المصرية – القاهرة – ط: الثانية، 1964م – 2/241-242

[61]شرح القواعد الفقهية – أحمد محمد الزرقا – دار القلم – دمشق / سوريا – ط: الثانية 1989م – ص 309 ، مُوْسُوعَة القَواعِدُ الفِقْهِيَّة – أبو الحارث الغزي – مؤسسة الرسالة، بيروت – لبنان – ط: الأولى 2003 م – 1/54

[62] رأس المال في القرن الحادي والعشرين – توماس بيكيتي – ترجمة محمود الشاذلي – دار الثقافة الجديدة – القاهرة – ط أولى 2015م ص29

[63] تفسير القرطبي 3/356.

[64] أحكام القرآن للجصاص  1/635.

[65] ر: مفاتيح الغيب للفخر الرازي 7/85، والزواجر عن ارتكاب الكبائر لابن حجر الهيثمي 1/222

[66] المجموع للنووي 9/275.

[67] تفسير ابن كثير 1/381.

[68] أخرجه مسلم ك الحج باب حجة النبي برقم 147/1218ج 8ص327