ليس خافياً على المسلم المهتم بالشأن الإسلاميّ العام أنَّ التحالفات بين أحزاب سياسية إسلامية وبين أحزاب علمانية صار واقعاً عملياً؛ يثير تساؤلات عديدة، يتجه أغلبها نحو البحث عن مدى المشروعية، وكرد فعل سريع نحو هذا الواقع وهذه التساؤلات طرحت أبحاث ومقالات تعالج هذه القضية من الناحية الشرعية، ويبدو للنظرة العادلة أنّ هذا المنتج على قِلَّته قد حالفه التوفيق في كثير مما وصل إليه، لكن لا تزال النازلة تهتف بالأقلام وتنادي الباحثين؛ ولاسيما مع وقوع الخلط في مواقف كثير من الأحزاب المنتسبة بصورة ما للتيار الإسلاميّ، وهذه الورقات أعددتها على عجالة لتكون إسهاماً في السعي للتوصل لرؤية واضحة منضبطة، والله المستعان.
تمهيد
الحِلْف لغة[1] العهد؛ يقال: حالف فلان فلاناً إذا عاهده وعاقده، وتحالفوا: تعاهدوا، والحليف: المعاهد، ويقال: حالف فلان فلاناً فهو حليفه وبينهما حلف لأنهما تحالفا الأيمان أن يكون أمرهما واحداً بالوفاء، والتحالف: المعاقدة والمعاهدة على التناصر والتساعد والاتفاق.
وفي علم السياسية: «الأحلاف معاهدات تحالف ذات طابع عسكري تبرم بين دولتين أو أكثر للتعاون في تنظيم دفاع مشترك بينهما»[2]، وفي القانون الدولي: «الحلف في القانون الدولي والعلاقات الدولية هو علاقة تعاقدية بين دولتين أو أكثر يتعهد بموجبها الرفقاء المعنيون بالمساعدة المتبادلة في حالة الحرب»[3].
أمَّا المعنى في الشرع فإنَّه لا يبعد كثيراً عن تلك المعاني التي وردت في اللغة وفي العلوم الإنسانية، وقد نَقَلَتْ بعد المصادر عن ابن الأثير تعريفه اللغوي واعتمدته؛ ليكون تعريفا شرعياً، فالتحالف عُرِّفَ شرعا بأنَّه: «المعاهدة على التناصر والتساعد والاتفاق»[4]، وهو معنى فيه اتساع وشمول، بحيث يدخل فيه التحالفات السياسية والتحالفات العسكرية، كما يشمل التحالفات بين الدول والتحالفات بين الأحزاب والكيانات السياسية أو الاقتصادية أو القبلية.
ويمكن أن نستخلص مما مضى – مع النظر إلى حال العلاقات بين الأحزاب السياسية – تعريفاً للتحالف السياسي بين الأحزاب؛ فنقول: هو عبارة عن “علاقة عقدية بين أحزاب سياسية يتعاهد الأطراف بموجبها على التعاون السياسيّ في خوض المعارك الانتخابية وفي بعض برامج العمل السياسيّ أو جميعها؛ من أجل تحقيق أهداف سياسية مشتركة”.
النصوص الواردة
وردت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نصوص ظاهرها التعارض؛ أدت إلى اختلاف الرؤية، هذه النصوص هي المعتمد في هذه المسألة، أضافة إلى بعض عموميات القرآن والسنة، مع استصحاب قواعد السياسة الشرعية ومراعاة المقاصد العامَّة للشريعة الإسلامية، وأهم النصوص الواردة ما يلي:
1- عَنْ طَلْحَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَوْفٍ , أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: « لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ»[5]، وفي رواية: «شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي، وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ »[6]، والذي يترجح أنَّ المطيبين والفضول حلف واحد أخذ هذين الاسمين، برغم أنّ حلفا وقع قبله كان المطيبون طرفا فيه، لكن لكون المطيبين الذين حضروا الحلف الأول هم بأنفسهم الذين حضروا الثاني سمي حلف الفضول بحلف المطيبين أيضاً، يقول: الإمام أبو جعفر الطحاوي: “وأما حلف الفضول فإن قبائل من قريش اجتمعوا في دار عبد الله بن جدعان: بنو هاشم، وبنو المطلب، وأسد بن عبد العزى، وزهرة بن كلاب، وتيم بن مرة، فتعاقدوا وتحالفوا على أن لا يجدوا بمكة مظلوما من أهلها، ومن غيرهم ممن دخلها من سائر الناس إلا قاموا معه، وكانوا على من ظلمه، حتى يردوا عليه مظلمته، فسمَّت قريش ذلك الحلف حلف الفضول، وكان أهله المذكورون في هذا الحديث مطيبين جميعاً، لأنهم من المطيبين الذين كانوا في الحلف الأول … فكان قول النبي صلى الله عليه وسلم في حديث: “شهدت مع عمومتي حلف المطيبين” هو حلف الفضول الذي تحالفه المطيبون، وهم هؤلاء النفر الذين كانوا في الحلف الأول الذي لم يشهده رسول الله صلى الله عليه وسلم”»[7]، ومن لم يذهب مذهب الجمع هذا اعتبر موضوعهما واحد، كالنووي الذي قال: “… حلف المطيبين وحلف الفضول، وهما حلفان كانا من قوم من قريش اجتمعوا فيهما على نصر المظلوم ومنع الظالم»[8].
هذا هو الحلف الذي مدحه رسول الله وأثنى عليه، فقد كان حلفاً فاضلاً «عن عبد الله بن عروة بن الزبير عن أبيه قال: سمعت حكيم بن حزام يقول: كان حلف الفضول منصرف قريش من الفجار، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، يومئذ ابن عشرين سنة قال: قال محمد بن عمر: وأخبرني غير الضحاك قال: كان الفجار في شوال وهذا الحلف في ذي القعدة، وكان أشرف حلف كان قط، وأول من دعا إليه الزبير بن عبد المطلب، فاجتمعت بنو هاشم وزهرة وتيم في دار عبد الله بن جدعان، فصنع لهم طعاماً فتعاقدوا وتعاهدوا بالله : لنكونن مع المظلوم حتى يؤدَّى إليه حقه ما بل بحر صوفة، وفي التآسي في المعاش، فسمت قريش ذلك الحلف حلف الفضول»[9].
2- روى البيهقي في السنن الكبرى، بسنده عن: « الزُّهْرِيُّ، عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، عَنْ مَرْوَانَ بْنِ الْحَكَمِ، وَالْمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أَنَّهُمَا حَدَّثَاهُ جَمِيعًا، قَالا : كَانَ فِي صُلْحِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قُرَيْشٍ، أَنَّهُ مَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ وَعَهْدِهِ دَخَلَ، وَمَنْ شَاءَ أَنْ يَدْخُلَ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ دَخَلَ، فَتَوَاثَبَتْ خُزَاعَةُ، وَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وَعَهْدِهِ، وَتَواثَبَتْ بَنُو بَكْرٍ، فَقَالُوا : نَحْنُ نَدْخُلُ فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ، فَمَكَثُوا فِي تِلْكَ الْهُدْنَةِ نَحْوَ السَّبْعَةِ أَوِ الثَّمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا، ثُمَّ إِنَّ بَنِي بَكْرٍ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَقْدِ قُرَيْشٍ وَعَهْدِهِمْ وَثَبُوا عَلَى خُزَاعَةَ الَّذِينَ كَانُوا دَخَلُوا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَقْدِهِ لَيْلا بِمَاءٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ : الْوَتِيرُ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ، فَقَالَتْ قُرَيْشٌ : مَا يَعْلَمُ بِنَا مُحَمَّدٌ، وَهَذَا اللَّيْلُ وَمَا يَرَانَا أَحَدٌ، فَأَعَانُوهُمْ عَلَيْهِمْ بِالْكُرَاعِ وَالسِّلاحِ فَقَاتَلُوهَا مَعَهُمْ لِلضِّغْنِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَّ عَمْرَو بْنَ سَالِمٍ رَكِبَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عِنْدَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ خُزَاعَةَ وَبَنِي بَكْرٍ بِالْوَتِيرِ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُخْبِرُهُ الْخَبَرَ، وَقَدْ قَالَ أَبْيَاتٍ مِنَ الشِّعْرِ، فَلَمَّا قَدِمَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْشَدَهُ إِيَّاهَا :
اللَّهُمَّ إِنِّي نَاشِدٌ مُحَمَّدَا حِلْفَ أَبِينَا وَأَبِيهِ الأَتْلَدَا
كُنَّا وَالِدًا وَكُنْتَ وَالِدَا ثُمَّتَ أَسْلَمْنَا وَلَمْ نَنْزِعَ يَدَا
فَانْصُرْ رَسُولَ اللَّهِ نَصْرًا أَعْتَدَا وَادْعُ عِبَادَ اللَّهِ يَأْتُوا مَدَدَا
فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ قَدْ تَجَرَّدَا إِنْ سِيمَ خَسْفًا وَجْهُهُ تَرَبَّدَا
فِي فَيْلَقٍ كَالْبَحْرِ يَجْرِي مُزْبِدَا إِنَّ قُرَيْشًــا أَخْلَفُـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــوكَ الْمَوْعِـــدَا
وَنَقَضُوا مِيثَاقَكَ الْمُؤَكَّدَا وَجَعَلُوا لِي بِكِدَاءٍ رَصَدًا
وَزَعَمُوا أَنْ لَسْتُ أَرْجُو أَحـــَدَا فَهُمْ أَذَلُّ وَأَقَلُّ عَدَدَا
هُمْ بَيَّتُونَا بِالْوَتِيرِ هُجَّدَا فَقَتَلُونَا رُكَّعًا وَسُجَّدَا
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ” نُصِرْتَ يَا عَمْرُو بْنَ سَالِمٍ ” وَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ بِالْجِهَازِ، وَكَتَمَهُمْ مَخْرَجَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ أَنْ يُعَمِّيَ عَلَى قُرَيْشٍ خَبَرَهُ حَتَّى يَبْغَتَهُمْ فِي بِلادِهِمْ»[10].
فهذه الرواية التاريخية تحكي قصة تحالف وقع بين الدولة الإسلامية في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين كيان آخر من الكيانات غير الإسلامية وهو قبيلة خزاعة؛ وقد تصرف النبي صلى الله عليه وسلم بموجب هذا الحلف وقرر فتح مكة على أثر استغاثة خزاعة به، يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: « وكان هديه وسنته إذا صالح قوماً وعاهدهم فانضاف إليهم عدو له سواهم فدخلوا معهم في عقدهم وانضاف إليه قوم آخرون فدخلوا معه في عقده صار حكم من حارب من دخل معه في عقده من الكفار حكم من حاربه وبهذا السبب غزا أهل مكة، فإنه لما صالحهم على وضع الحرب بينهم وبينه عشر سنين تواثبت بنو بكر بن وائل، فدخلت في عهد قريش، وعقدها، وتواثبت خزاعة، فدخلت في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وعقده ثم عدت بنو بكر على خزاعة فبيتتهم وقتلت منهم وأعانتهم قريش في الباطن بالسلاح فعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ناقضين للعهد بذلك»[11].
3- أن الصحيفة التي أبرمها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة تضمنت الآتي: «وإنه من تبعنا من يهود، فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم». « وإن بينهم النصر على من دهم يثرب» «وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين». « وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم»[12]؛ وهذا يعني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقام اتفاقية دفاع مشترك مع اليهود، وأنشأ معهم ما يمكن تسميته بالحلف الإقليمي.
لذلك خرج مخيريق مع المسلمين في أُحُد وفاءً بهذا الحلف، «روي ابن سعد بسنده عن عبيد السعدي قال: كان مخيريق أيسر بني قينقاع، وكان من أحبار يهود وعلمائها بالتوراة، فخرج مع رسول الله، صلى الله عليه وسلم إلى أحد ينصره وهو على دينه، فقال محمد بن مسلمة وسلمة بن سلامة: إن أُصبت فأموالي إلى محمد، صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله عز وجل، فلما كان يوم السبت وانكسفت قريش ودفن القتلى، وجد مخيريق مقتولا به جراح فدفن ناحية من مقابر المسلمين ولم يصل عليه، ولم يسمع رسول الله، صلى الله عليه وسلم يومئذ ولا بعده يترحم عليه، ولم يزد على أن قال: مخيريق خير يهود »[13]، وروي ابن إسحاق أن مخيريق قال: « يا معشر يهود والله لقد علمتم أن نصر محمد عليكم لحق، قالوا: إن اليوم يوم سبت قال: لا سبت لكم فأخذ سيفه وعدته، وقال: إن أصبت فمالي لمحمد يصنع فيه ما يشاء»[14].
4- عن جبير بن نفير أنه سأل ذى مخبر – رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم – عن الهدنة فقال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا وَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ»[15]، وفي رواية: «سَتُصَالِحُونَ الرُّومَ صُلْحًا آمِنًا فَتَغْزُونَ أَنْتُمْ وَهُمْ عَدُوًّا مِنْ وَرَائِكُمْ فَتُنْصَرُونَ وَتَغْنَمُونَ وَتَسْلَمُونَ ثُمَّ تَرْجِعُونَ، حَتَّى تَنْزِلُوا بِمَرْجٍ ذِي تُلُولٍ فَيَرْفَعُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ النَّصْرَانِيَّةِ الصَّلِيبَ فَيَقُولُ: غَلَبَ الصَّلِيبُ فَيَغْضَبُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيَدُقُّهُ فَعِنْدَ ذَلِكَ تَغْدِرُ الرُّومُ وَتَجْمَعُ لِلْمَلْحَمَةِ»[16].
قال في عون المعبود: « (آمنا) أي ذا أمن … (فتغزون أنتم) أي فتقاتلون أيها المسلمون (وهم) أي الروم المصالحون معكم (عدواً من ورائكم) أي من خلفكم وقال السندي في حاشية بن ماجه أي عدوا آخرين بالمشاركة والاجتماع بسبب الصلح الذي بينكم وبينهم أو أنتم تغزون عدوكم وهم يغزون عدوهم بالانفراد انتهى قلت الاحتمال الأول هو الظاهر »[17]، وقال الشيخ محمود شلتوت: «وفي المعاهدة على التحالف الحربي يقول الرسول صلى الله عليه وسلم ستصالحون الروم صلحا…»[18].
5- عَنْ جُبَيْرِ بْنِ مُطْعِمٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: « لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ، وَأَيُّمَا حِلْفٍ كَانَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ لَمْ يَزِدْهُ الْإِسْلَامُ إِلَّا شِدَّةً»[19]، وعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:« أَوْفُوا بِحِلْفِ الْجَاهِلِيَّةِ، فَإِنَّهُ لَا يَزِيدُهُ، يَعْنِي : الْإِسْلَامَ، إِلَّا شِدَّةً، وَلَا تُحْدِثُوا حِلْفًا فِي الْإِسْلَامِ »[20].
6- عن عاصم الأحول قال: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَبَلَغَكَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: « لَا حِلْفَ فِي الْإِسْلَامِ »، فَقَالَ: قَدْ حَالَفَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ قُرَيْشٍ، وَالْأَنْصَارِ فِي دَارِي»[21]
فقه النصوص
لا ريب أنَّ هذه الأحاديث كلَّها واردةٌ في مسألة التحالف إجمالاً، وهي على وجه الإجمال تشمل التحالف بكافة أنواعه، فتشمل التحالف العسكري والتحالف السياسي والتحالف الاقتصادي، وتشمل التحالف بين الدول والتحالف بين المكونات السياسية والقبلية وغيرها، بل وتشمل التحالف بين الأفراد أيضاً، وإذا كانت الصبغة العسكرية طافية على بعضها أو أغلبها فإنّه بإمكان القائلين بجواز التحالفات السياسية الاستدلال بها باعتبار أنَّ السياسية أقلّ من العسكرية فيما يترتب من التزامات وما قد ينشأ من أضرار، فإن جازت العسكرية جازت السياسية من باب أولى، وباعتبار أنّ التحالف العسكريّ هو في جانب منه سياسي أيضاً أو على أقل تقدير يُبنى على قاعدة سياسية متفقة، وأمّا القائلون بعدم الجواز فيكفيهم العموم في النهي المستفاد من صيغ النكرة في سياق النفي والنهي، حيث يشمل الأحلاف بكافة صنوفها، فالأحاديث إذن صارت مادة خصبة للمستدلين على الجواز وعدمه؛ لذا وجب التعرض لها ولِفِقْهِهَا.
فأمَّا الأحاديث التي حملت إلينا أخبار التحالفات التي أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أخبر بوقوعها أو مارسها في حياته فقد اعْتُمِدت متكأً للقول بجواز التحالفات إجمالاً، ومتكأً كذلك لوضع شروط لهذا الجواز، تَدَرَّج القائلون بها ما بين مُوَسِّع مُضَيِّق، وأمَّا الأحاديث الأخرى التي فيها نهي صريح عن الأحلاف فقد استند إليها القائلون بالمنع، على اختلافهم في دائرة المنع ما بين موسع لها لتشمل التحالفات حتى بين قوى إسلامية وأخرى إسلامية، ومضيق يحصر التحريم في الدائرة الأضيق وهي دائرة التحالف مع قوى غير إسلامية، فلنستعرض الأحاديث للنظر ما مدى إمكانية الاستدلال بكل منها على تلك المذاهب.
فحديث حلف الفضول أو حلف المطيبين واضح في دلالته على أنَّ العبرة ليست بالمتحالف معهم وإنما بالمتحالف عليه، ليست بأطراف الحلف وإنما بالمواد والبنود التي وقع عليها التحالف، وخلاصة ما يحمله الحديث: أن النبي عليه وعلى آله الصلاة والسلام، كان حاضرا مع أعمامه لعقد حلف الفضول الذي عقده المطيبون في دار عبد الله بن جدعان، قبل البعثة بنحو عشرين عام، حيث تعاقد القوم على أمور فاضلة، هي: أولا: التناصر والأخذ للمظلوم من الظالم، لا فرق بين مقيم أو غريب، قرشي أو غير قرشي، ثانيا: التآسي في المعاش، أي ما يسمى في زمننا هذا (التكافل الاجتماعي)، وكان النبي، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، معجباً بهذا الحلف الفاضل أيما إعجاب، حيث قال: «ما أحب أن لي حمر النعم وإني أنكثه»، وكذلك قال: «ولو أُدعى به في الإسلام لأجبت»، فالحديث بهذا السياق وبما يحمله من معان يصلح للاستدلال على جواز التحالفات على أمور فاضلة، بغض النظر عن هوية المتحالف معهم، المهم أن يكون المتحالف عليه أمراً شرعيا متفقاً مع أحكام الشرع ومقاصده، وخالياً من المفاسد التي تنزع عنه الشرعية، وكذلك كان حلف الفضول، ويدعم هذين الحديثين في اتجاه الاستدلال على جواز التحالف مع أحزاب ودول غير إسلامية حديث التحالف مع خزاعة وحديث التحالف مع اليهود.
وهذه الأحاديث مجتمعة برهان متين، ومتكأ رصين، لولا أنّ حديثاً صحيحاً أو أكثر ورد يشوش على الاستدلال، ويهدد بطرح الدليل كله خلف أسوار النسخ والإبدال، وهو حديث “لا حلف في الإسلام” وحديث: “لا تحدثوا حلفاً في الإسلام” فالحديث الأول رواه جبير بن مطعم وهو ممن أسلموا بعد الفتح المبارك لمكة، والحديث الثاني قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح، فيكون الحديثان ناسخين لما مضى من الأحلاف بما فيها التحالف مع خزاعة ومع اليهود، وقوله صلى الله عليه وسلم « لا حلف في الإسلام»، نكرة في سياق النفي، فهو من صيغ العموم، فيعم كل حلف، ويشمل جميع صور الأحلاف بما فيها التحالف مع أحزاب علمانية، وأما قوله: أوفوا بحلف الجاهلية، وقوله وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة، فإن هذا يكون فيما تحالفوا عليه من نصرة الحق والقيام به والمواساة[22].
فالخلاصة – بناء على هذا – أنه ثبت بذلك أنه، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، قال: «أوفوا بحلف الجاهلية فإنه لا يزيده يعني الإسلام إلا شدة، ولا تحدثوا حلفا في الإسلام» أيام فتح مكة، يوم فتحها، أو بعد يوم فتحها بأيام قلائل، وبذلك يقع كل حلف بعد ذلك باطلا، وتبقى الأحلاف المتقدمة صحيحة سارية، إلا أنها اليوم بعد خمسة عشر قرنا لم تعد ذات موضوع بانقراض أطرافها، ودروس معالمها، وما يتعلق بها.
ومن هنا ذهب الجمهور[23]، إلى الأخذ بظاهر هذا الحديث وقالوا بأن أحلاف الجاهلية يستمر التناصر بها حتى بعد هذا الحديث، لكن لا يكون إلا تناصرا على الحق وتعاونا على الخير، أمَّا الأحلاف التي عقدت في الإسلام، أو تعقد من بعد ورود الحديث فمنقوضة، حتى ولو كانت بين مسلمين ومسلمين؛ لكون هذا الحديث جاء ناسخاً لإجازة التحالف التي عمل بها في أول الإسلام.
ووجه المنع بهذا الشمول أن الإسلام وحد بين المسلمين، فهو بمعنى تحالف شامل لكل المسلمين يقتضي التناصر والتعاون بينهم على من قصد بعضهم بظلم، لقوله تعالى: ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ﴾[الحجرات: 10]، وقوله: ﴿وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ﴾[التوبة:71]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: « الْمُؤْمِنَ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»[24]، وقوله: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ»[25] وقوله: « الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لَا يَظْلِمُهُ، وَلَا يَخْذُلُهُ، وَلَا يَحْقِرُهُ»[26]، وقوله «الْمُسْلِمُونَ تَتَكَافَأُ دِمَاؤُهُمْ، يَسْعَى بِذِمَّتِهِمْ أَدْنَاهُمْ وَيُجِيرُ عَلَيْهِمْ أَقْصَاهُمْ، وَهُمْ يَدٌ عَلَى مَنْ سِوَاهُمْ»[27]، فالإسلام جعل المسلمين يدا واحدة وأوجب على كل مسلم نصرة أخيه المسلم، والقيام على الباغي حتى يرجع إلى الحق[28]، وأما استمرار العمل بأحلاف الجاهلية في التناصر فيؤيده حديث شهادة النبي لحلف المطيبين وثنائه على حلف الفضول، وهي طريقة في الجمع متسقة مع اتجاههم في المنع.
غير أنّ الذي يهدد هذا السياق الذي يبدو متماسكاً هو أنّ دعوى النسخ لا تتحقق بمجرد ثبوت تأخر أحد النصين تاريخياً عن الآخر، حتى يمتنع الجمع، فإن أمكن الجمع لم يصح المصير إلى اعتقاد النسخ، والجمع ممكن بحمل كل حكم على حال من أحوال الأمة الإسلامية، فيقال: إن مسألة التحالف من المسائل الخاضعة لقواعد السياسة الشرعية، ومن الأمور التي تتغير بتغير العوائد ولا ينكر تغير حكمها بتغير الأزمان، ففي حال ضعف الأمة واحتياجها إلى الحلفاء، يجوز لها التحالف بشروط تضمن غلبة المصلحة على المفسدة، وفي حال قوة الأمة وقدرتها على مواجهة التحديات منفردة لا يجوز لها التحالف؛ لأنه لا يخلو من مفسدة، وتحقق المصالح دون الوقوع في مفاسد إذا قوبل بتحققها مع وجود مفاسد ولو مرجوحة يتوجب المصير إليه ما دام ذلك بالإمكان.
ولا يقف الأمر هنا عند حد نقض دعوى النسخ، وإنَّما يمتد ليطال الجذور، فحديث: «لا حلف في الإسلام» وقرينه معارَضان بحديث أنس: “قد حالف النبي صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار في داري”، وقد صرح به وهو صحابي يعلم مواقع الأحاديث، برغم أنه سُئل عن حديث “لا حلف في الإسلام”، فكأن أنس رضي الله عنه يعلم أن حديث “لا حلف في الإسلام” لا ينسخ ما وقع في أول العهد بالمدينة من المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، قال ابن حجر:«ويمكن الجمع بأن المنفي ما كانوا يعتبرونه في الجاهلية من نصر الحليف ولو كان ظالما ومن أخذ الثأر من القبيلة بسبب قتل واحد منها ومن التوارث ونحو ذلك، والمثبت ما عدا ذلك من نصر المظلوم والقيام في أمر الدين ونحو ذلك من المستحبات الشرعية كالمصادقة والمواددة وحفظ العهد»[29].
وإلى مثل قول ابن حجر ذهب ابن الأثير؛ فقال: ” أصل الحلف: المعاقدة والمعاهدة على التعاضد والتساعد والاتفاق، فما كان منه في الجاهلية على الفتن والقتال بين القبائل والغارات فذلك الذي ورد النهي عنه في الإسلام بقوله صلى الله عليه وسلم «لا حلف في الإسلام» وما كان منه في الجاهلية على نصر المظلوم وصلة الأرحام كحلف المطيبين وما جرى مجراه، فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم «وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة» يريد من المعاقدة على الخير ونصرة الحق، وبذلك يجتمع الحديثان، وهذا هو الحلف الذي يقتضيه الإسلام، والممنوع منه ما خالف حكم الإسلام»[30].
وإلى قريب من قولهما ذهب الإمام الجصاص؛ فقال: ” وأما قوله: «وما كان من حلف في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة» فإنما يعني به الوفاء بالعهد مما هو مجوز في العقول مستحسن فيها, نحو الحلف الذي عقده الزبير بن عبد المطلب, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما أحب أن لي بحلف حضرته حمر النعم» … «ولو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت» وهو حلف الفضول، … فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضر هذا الحلف قبل النبوة وأنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب; لأن الله تعالى قد أمر المؤمنين بذلك, وهو شيء مستحسن في العقول, بل واجب فيها قبل ورود الشرع; فعلمنا أن قوله: “لا حلف في الإسلام” إنما أراد به الذي لا تجوزه العقول ولا تبيحه الشريعة. وقد روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: حضرت حلف المطيبين وأنا غلام, وما أحب أن أنكثه وأن لي حمر النعم”. وقد كان حلف المطيبين بين قريش على أن يدفعوا عن الحرم من أراد انتهاك حرمته بالقتال فيه. وأما قوله: “وما كان في الجاهلية فلم يزده الإسلام إلا شدة” فهو نحو حلف المطيبين وحلف الفضول, وكل ما يلزم الوفاء به من المعاقدة دون ما كان منه معصية لا تجوزه الشريعة»[31]
وهذا السياق يبدو أكثر تماسكاً عن السياق السابق، ويبدو كذلك أكثر اتساقاً مع الأصول ومع مقاصد الشريعة وقواعد السياسة الشرعية؛ لذلك أميل إلى اعتماده في توجيه الأدلة المتعارضة ظاهراً.
حكم التحالف السياسي مع الأحزاب العلمانية
نبدأ بطرح هذا السؤال الذي تقودنا الإجابة عليه إلى تصور صحيح للمسألة، وهو: هل التحالف مع أي جهة كانت شرٌ في ذاته؟ أم إنَّ الخير والشرّ تابعان متعلقان بلوازم أو أمور مجاورة؟ واضح من الأحاديث أنَّ التحالف لو كان شرا في ذاته لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالوفاء بحلف الجاهلية، ولما بين أن الإسلام لا يزيده إلا شدة؛ فلقد قال صلى الله عليه وسلم في نفس الحديث الذي نهى فيه عن الحلف: «وما كان من حلف في الجاهلية لا يزيده الإسلام إلا شدة»، وفي رواية «أوفوا بحلف الجاهلية»؛ مما يعنى أن الحلف ليس في ذاته شرا، وأن النهي عنه ليس لذاته، وإنما لأمرين: الأول: ما يمكن أن يشتمل عليه من شر أو باطل مما لا يقره الإسلام ولا يوافق عليه، الثاني: ذهاب الداعي إليه والحامل عليه بقيام الدولة الإسلامية الواحدة التي تجمع تحت مظلمتها كل الطوائف الإسلامية، والتي تستغني بقوتها وتعاضد مكوناتها عن التحالفات.
فإذا كان النهى عن الحلف ليس لذات الحلف، وإنما لما يشتمل عليه من المفاسد والشرور، ولذهاب الداعي اليه والحامل عليه، فإنه بالإمكان أن نقول: إذا عاد الأمر الداعي إلى الحلف بذهاب الدولة الإسلامية الواحدة الجامعة، وبعودة المسلمين نشرا متفرقين، وبكثرة التحديات التي تضطرهم للتحالف مع مكونات أقل شرا وضررا ضد مكونات أكثر شَرَّا وأعظم ضررا، ولم يكن الحلف مشتملا على المفاسد والمضار التي كانت الأحلاف الجاهلية تقوم عليها، فلا وجه للقول بالمنع، ولا سيما مع استصحاب السياق الأكثر اتساقاً في الجمع بين الأحاديث التي ظاهرها التعارض، ولا شك أنّ السبيل الأقوم، لدفع تعارض النصوص ألا يصار إلى اعتقاد النسخ إلا عند عدم إمكان الجمع، والجمع هنا ممكن، وذلك بحمل كل حديث على حال من أحوال الأمة.
يقول الإمام الجصاص: «وقد كان حلف الجاهلية على وجوه: منها الحلف في التناصر، فيقول أحدهما لصاحبه إذا حالفه: «دمي دمك وهدمي هدمك وترثني وأرثك» فيتعاقدان الحلف على أن ينصر كل واحد منهما صاحبه فيدفع عنه ويحميه بحق كان ذلك أو بباطل؛ ومثله لا يجوز في الإسلام؛ لأنه لا يجوز أن يتعاقدا الحلف على أن ينصره على الباطل ولا أن يزوي ميراثه عن ذوي أرحامه ويجعله لحليفه؛ فهذا أحد وجوه الحلف الذي لا يجوز مثله في الإسلام، وقد كانوا يتعاقدون الحلف للحماية والدفع، وكانوا يدفعون إلى ضرورة؛ لأنهم كانوا نشرا لا سلطان عليهم ينصف المظلوم من الظالم ويمنع القوي عن الضعيف، فكانت الضرورة تؤديهم إلى التحالف فيمتنع به بعضهم من بعض، وكان ذلك معظم ما يراد الحلف من أجله، ومن أجل ذلك كانوا يحتاجون إلى الجوار وهو أن يجير الرجل أو الجماعة أو العير على قبيلة ويؤمنهم فلا ينداه مكروه منهم؛ فجائز أن يكون أراد بقوله: «لا حلف في الإسلام» هذا الضرب من الحلف»[32].
ومما تقدم يتبين لنا بجلاء أنَّ التحالف من المسائل الخاضعة لقواعد السياسة الشرعية، ومن الأمور التي تختلف باختلاف العوائد؛ فلا ينكر تغير حكمها بتغير الأحوال والأزمان، وهي من الأحكام التي تدور على علة توجد بوجودها وتنتفي بانتفائها، فالتحالف من الأمور التي لا يقال فيها إنها مباحة بإطلاق أو محرمة بإطلاق أو واجبة بإطلاق؛ لأنها لا يتعلق بذاتها الحكم بالتحريم أو الإباحة أو الوجوب أو غيره، وإنما يتعلق الحكم بما تفضي إليه من نتائج وما يترتب عليها من منافع أو مضار، ولأن ما يترتب عليها من منافع أو مضار ليس ثابتا ولا مستمرا ولا لازماً حالة واحدة لا ينفك عنها ولا يتحول.
لذلك وجدنا رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم ينهى عن إحداث حلف في الإسلام، ويثنى على حلف كانت كل عناصره وإن لم تكن دولاً من قوى الشرك؛ ثم يؤكد أنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب؛ مما يدل على أنه مجرد التحالف ليس هو الذي يتعلق به التحريم أو الإباحة وإنما يناط الحكم بالمصالح أو المفاسد التي قد تنجم عن هذا التحالف.
ولقد فهم العلماء من مجموع الأحاديث أن العبرة بالأمر المتحالف عليه لا بذات التحالف، يقول الإمام الجصاص: « قيل إن الحلف كان على منع المظلوم، وعلى التأسي في المعاش، فأخبر النبي النبي صلى الله عليه وسلم أنه حضر هذا الحلف قبل النبوة وأنه لو دعي إلى مثله في الإسلام لأجاب؛ لأن الله تعالى قد أمر المؤمنين بذلك، وهو شيء مستحسن في العقول، بل واجب فيها قبل ورود الشرع؛ فعلمنا أن قوله: «لا حلف في الإسلام» إنما أراد به الذي لا تجوزه العقول ولا تبيحه الشريعة »[33].
ثم إنَّ هذا الاتجاه في فهم المسألة والحكم عليها هو الذي تقضي به الحكمة السياسية، فإن اختيار دولة ما أو حزب ما لطريق التحالف ليس مسألة مبدأ وإنما مسألة ملاءَمَة؛ فالحزب يستغني عن التحالفات إذا اقتنع بأنه من القوة بحيث يمكنه الصمود أمام أعدائه ومواجهة تحدياته دون دعم أحد، أو أن أعباء الارتباطات الناجمة عن الحلف تفوق حسناته المرتقبة، والعكس بالعكس.
ومن أهم قواعد السياسة الشرعية في هذا الباب أنّ الشريعة مبناها على جلب المصالح ودفع المفاسد، وأنَّ على الفقهاء والقادة والسياسيين وأهل الحل والعقد أن يعلموا خير الخيرين وشر الشرين، ليعملوا عند التزاحم بقواعد: “يختار أهون الشرين” و”يرتكب أخف الضررين” و”إذا تعارضت المصالح والمفاسد يقدم الراجح منها على المرجوح” وإذا تساوت فإنّ: “درء المفاسد مقدم على جلب المصالح” و”تحتمل أدنى المفسدتين لدفع أعظمهما” و”تقدم أعلى المصلحتين بتفويت أدناهما” وفي ضوء هذه الموازنات الاجتهادية “لا ينكر اختلاف الأحكام باختلاف الأزمان”، وكل هذه القواعد ثابتة ولا خلاف عليها لدى علماء الأمة، وهي موجودة في المجلة وفي كتب القواعد وغيرها.
والقول بأن حكم التحالف يخضع لقواعد السياسة الشرعية يساوي القول بأنه حائز بشروط؛ لأنه إن تحققت شروط الجواز فقد امتهد السبيل للقول بالجواز، وإن لم تتحقق أغلق الباب دون القول بالجواز، فالشروط هي التي تحدد الحكم وهي التي تبرز قواعد السياسة الشرعية التي يخضع لها الحكم.
وشروط الجواز هي:
أولاً: الشروط التي اشترطها العلماء لجواز الاستعانة بالمشركين، وهي:
أ- أن تدعو الحاجة إلى التحالف أو الاستعانة؛ ووجه هذا الاشتراط أن التحالف ومثله الاستعانة لا يخلو من مفاسد، فإن لم تكن الحاجة داعية إليه وحاملة على تحمل ما فيه من مفاسد بغية تحقيق مصالح أغلب منها وأعم، كان المصير إليه تقحم لمفاسد وإن قلت دون أن تدفعنا إليها حاجة أو ضرورة، وهذا بلا شك مناف لما قامت عليه الشرعية؛ فإن مبناها على جلب المصالح وتكميلها ودفع المفاسد وتقليلها[34]، ووجهه أيضا أن رسول الله النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الحلف في فتح مكة وهو في حال العزة والاستغناء.
ب- ألا يكون حكم الكفر هو الظاهر في هذا التحالف؛ وذلك لأن حكم الكفر إن كان ظاهرا على حكم الإسلام ترتب على ظهوره تسلط أهل الكفر على أهل الإسلام واستبدادهم بالأمور، وعلوهم على حساب المسلمين، وإفسادهم في الأرض باسم المسلمين، وهي مفسدة لا يمكن أن تقوم بإزائها مصالح.
جـ- ألا يؤدي التحالف أو الاستعانة إلى تقوية شوكة العلمانيين على الإسلاميين المتحالفين معهم أو غيرهم؛ لأن تقوية شوكتهم يعني استعجال الهزيمة الإسلاميين وتأخير نصرهم وفتح الأبواب لإهلاكهم وإذهاب دولتهم.
ثانياً: ألا يكون التحالف موجها ضد دول إسلامية أو طوائف وأحزاب إسلامية؛ لأنه يكون عندئذ خيانة للأمة واتخاذاً للأعداء أولياء من دون المؤمنين، وقد نهى الله عن ذلك فقال: ﴿ لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾[آل عمران: 28].
ثالثاً: ألا يكون التحالف قائما على بنود ومواد تتعارض مع الأحكام الشرعية، أو مع القضايا الكبرى للإسلام والمسلمين، أو مع المبادئ الإسلامية الأساسية؛ لأن المبادئ والأسس الشرعية والمصالح الكبرى للأمّة الإسلامية لا مساومة عليها، يقول الله عز وجل: ﴿وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ﴾[القلم: 9]، ويقول: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾[هود: 113]، ويقول: ﴿ فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا ﴾[الفرقان: 52]، أما المسائل الشكلية، والأمور التي ليست من المبادئ الأساسية والثوابت الأصلية فلا مانع من المساومة عليها بشرط ألا تكون ارتكابا لمحرم صريح، مثلما تنازل رسول الله صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية عن أمور شكلية مثل كتابة «باسمك اللهم» بدلا من «بسم الله الرحمن الرحيم».
إن القول بجواز التحالف بهذه الشروط وبغيرها من الشروط التي يمكن أن تمليها الظروف، والقول بأن التحالف من الأمور التي تخضع لقواعد السياسة الشرعية ومن ثم فهي تجوز أحيانا وتمنع أحيانا، هذا القول هو الملائم والمناسب لدور الأمة الإسلامية ولوظيفتها، ولما يناط بها من مهام ووظائف عظام؛ فالأمة الإسلامية أمة مجاهدة، أمة مكلفة بتبليغ الأمانة، أمة أخرجت للناس لتسوسهم بمنهج الله، ولتحملهم على الطريقة المستقيمة، ولتهش على شاردهم وترده إلى الجادة والصواب.
وهي في طريقها هذا تواجه صعابا جمة، وتحديات غاية في القسوة، ويواجهها أعداء ألداء يقعدون لها بكل سبيل، ويتربصون لها بكل طريق، ويجتهدون في وضع العقبات والعقابيل لتعويق سيرها وتأخيرها عن غايتها؛ لذلك فهي في أمس الحاجة إلى اتخاذ كافة التدابير التي تساعدها على اختراق الظروف المتشابكة، وعلى شق طريقها بين أدغال التحديات والمصالح المتصارعة، وعلى مواصلة السير في غابة يجللها الضباب وتعوي في جنباتها الذئاب.
ويوم أن تستغني أمة الإسلام عن غيرها، وتقوى بوحدتها وتكاملها، وتستطيع أن تستقل بأمورها دون حاجة إلى تحالف فلن يكون هناك داعي إلى تلك التحالفات؛ فعندئذ يأتي دور العمل بحديث: «لا حلف في الإسلام» الذي أعلن به الرسول النبي صلى الله عليه وسلم إبان الفتح الأعظم.
ومن المهم أن نلفت النظر إلى أنّ هذه المسألة مبنية على مسألة أقدم منها، ثبتت بنفس الطريقة وهي الخضوع لقواعد السياسة الشرعية، وهي مسألة جواز المشاركة السياسية في ظل الأنظمة الوضعية، فهذه المسألة من مسائل السياسة الشرعية؛ إذ هي من مناهج التغيير و الأصل في مناهج التغير، أنها اجتهادات بشرية في إقامة الدين والانتصار له، ولهذا كانت مما يدور في فلك السياسة الشرعية، وتتقرر شرعيتها في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، وعلى هذا فإن اختيار وسيلة دون وسيلة، أو تقديم وسيلة على أخرى، من موارد الاجتهاد التي تختلف فيها الفتوى باختلاف الزمان والمكان والأحوال والعوائد.
ومن هنا كانت المشاركة وعدمها من موارد الاجتهاد ومسائل السياسة الشرعية، فقد يفتي بها في بلد دون بلد، أو في زمن دون زمن، أو لفريق من الناس دون فريق، وتقدير ذلك موكول إلى أهل الشورى ليقرروا في ذلك ما يحقق المصلحة أو يكملها، ويعطل المفاسد أو يقللها، في إطار قاعدة الشريعة في الموازنة بين المصالح والمفاسد [35]، فإطلاق القول بالجواز خطأ؛ لأن المشاركة قد تكون في زمان ما أو مكان ما أو من خلال تجمع ما من المسلمين جالبةً لمفاسد أشد مما يرجي منها من مصالح.
وأيضا إطلاق القول بالمنع غير صحيح، لأن هذا الإطلاق قد يحرم المسلمين من مصالح كثيرة كان بإمكانهم أن يحققوها من خلال المشاركة السياسية، فقد تتهيأ الظروف في زمان ما أو مكان ما لفئة من أهل الاستقامة أن تحقق من المصالح ما يربو بكثير على الفاسد المتوقعة أو المنتظرة، وهذه المسألة كسائر مسائل السياسة الشرعية تعتبر مما يتغير بتغير العوائد؛ فهي بذلك خاضعة للقاعدة الكلية التي قررها العلماء، وهي قاعدة «لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان»[36].
أي لا ينكر تغير الأحكام بتغير أعراف الناس وعادتهم من زمان لآخر «فإن كان عرفهم وعاداتهم يستدعيان حكماً، ثم تغيرا إلى عرف وعادة أخرى، فإن الحكم يتغير إلى ما يوافق ما انتقل إليه عرفهم وعاداتهم»[37]، وقد صاغ الإمام القرافي هذه القاعدة صياغة في غاية الإحكام عندما قال: «الأحكام المترتبة على العوائد تدور معها حيث دارت»[38].
وعلى هذا فقد تكون المشاركة ممنوعة في زمان ما أو مكان ما، وقد تكون جائزة، بل قد تكون واجبة إذا عادت بالنفع العميم على المسلمين، أو منعت فساداً كبيراً، أو ضررًا مصيرياً يحيق بهم ويهدد وجودهم، وهذا ما انتهي إليه مجمع من المجامع الفقهية الصاعدة، وهو مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، فلقد جاء في إحدى توصياته ما يلي:
العمل السياسي لنصرة الدين من خلال الأحزاب السياسية والمجالس البلدية أو النيابية أسلوب من أساليب الاحتساب واستصلاح الأحوال، بغية تحقيق بعض المصالح، ودفع بعض المفاسد، ورفع بعض المظالم، فهو ليس خيراً محضاً كما يتوهمه المتحمسون، كما أنه ليس شراً محضاً كما يظنه المعارضون، ولكنه مما تختلط فيه المصالح والمفاسد، وتزدحم فيه المنافع والمضار فهو يدور في فلك السياسة الشرعية، ويتقرر حكمه في ضوء الموازنة بين المصالح والمفاسد، فحيثما ظهرت المصلحة، ولم تعارض بمفسدة راجحة، فلا بأس باشتغال بعض الإسلاميين به، شريطة أن لا تُستنفذ فيه الطاقات، وأن لا يحمل على الاستطالة على الآخرين، وأن لا يصرف عن الاشتغال بالأعمال الدعوية أو التعليمية أو التربوية، بل قد يكون الاشتغال به واجباً في بعض الأحيان، إذا تعين وسيلة لتحصيل بعض المصالح الراجحة أو تكميلها، وتعطيل بعض المفاسد أو تقليلها، وقد يكون حراماً إذا عظمت مفسدته، وربا ضره على نفعه، بل ربما أدى إلى فساد في الاعتقاد، وانسلالٍ من ربقة الإسلام، ولهذا فإن مسائل هذا الباب مما تتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان والأحوال، وذلك تبعا لتغير وجوه المصلحة.
وهو كغيره من الأعمال لابد لمشروعيته من ضوابط يتعين التزامها، ومحاذير يتعين اجتنابها حتى تمضي أعماله على سنن الرشد[39].
هذا والله تعالى أعلى وأعلم
(سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ (180) وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ (181) وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (182)) (الصافات 180-182) [40].
الهامش
[1] راجع: المعجم الوسيط (ص192)- المصباح المنير (ص91)- لسان العرب (2/554)- النهاية في غريب الحديث والأثر (1/404).
[2] القاموس السياسي: أحمد عطية الله (ص27-28).
[3] الأحلاف والتكتلات في السياسة العالمية، د. محمد عزيز شكري (ص7).
[4] النهاية في غريب الحديث والأثر (1/404)، وانظر فيض القدير (3/80)، والموسوعة الكويتية (18/84)
[5] رواه البيهقى في الكبرى ك الوصايا باب جماع أبواب تفريق الخمس برقم”12114″(ج18ص8636)
[6] صحيح: رواه أحمد برقم”1589″(ج2ص791)، والبخاري في الأدب المفرد برقم”564″، والحاكم في المستدرك برقم”2799″(ج4ص1893)
[7] شرح مشكل الآثار (15/ 220)
[8]المجموع شرح المهذب (19/ 381)
[9] الطبقات الكبرى لابن سعد (1/128-129).
[10] رواه البيهقي في الصغرى ك الجزية باب نقض أهل العهد برقم”1686″(ج4ص1601)، وأورده ابن جرير الطبرى في تاريخه برقم”748″(ج4ص1631)، وأبو نعيم في دلائل النبوة برقم”4627″(ج7ص3065)، وابن الأثير في أسد الغابة برقم”1309″(ج11ص5427).
[11] زاد المعاد (3/125).
[12] السيرة النبوية (1/502-504)، البداية والنهاية (3/225-226).
[13] الطبقات الكبرى ابن سعد (1/502)، المغازي (1/262)، الدرر في اختصار المغازي والسير (ص107-108).
[14]السيرة النبوية (3/89)، البداية والنهاية (4/36).
[15] صحيح: رواه أبوداود في السنن ك الجهاد باب في صلح العدو برقم”2390″(ج4ص1665)، وابن حبان في صحيحه ك التاريخ باب إخباره r عما يكون في أمته من الفتن والحوادث برقم”6864″(ج15ص7150)، والطبرانى في الكبير برقم”4112″ (ج5ص2332)،
[16] صحيح: رواه أبوداود في السنن ك الملاحم باب ما يذكر في ملاحم الروم برقم”3744″(ج6ص2552)، وابن حبان في صحيحه ك التاريخ باب إخباره r عما يكون في أمته من الفتن والحوادث برقم”6864″(ج15ص7150)، والطبرانى في الكبير برقم”4112″(ج5ص2332)
[17] عون المعبود (11/268).
[18] الإسلام عقيدة وشريعة (ص476).
[19] رواه مسلم ك فضائل الصحابة باب مؤاخاة النبى rبين أصحابه y برقم “4602”(ج2ص3209)
[20] رواه الترمذى في السنن ك السير باب ما جاء في الحلف برقم”1510″(ج3ص1457)، وقال: حَسَنٌ صَحِيحٌ.
[21] رواه البخاري ك الحوالات باب قوله تعالى ﴿واللذين عقدت أيمانكم …. ﴾ برقم”2141″(ج4ص1750)،.
[22] تفسير القرطبي (6/3785).
[23] انظر الموسوعة الفقهية الكويتية . مجموع الفتاوى ابن تيمية (35/92-98).
[24] متفق عليه: رواه البخاري ك الأدب باب تعاون المؤمنين بعضهم بعضا برقم”5596″(ج10ص4561)، و مسلم ك البر والصلة والأدب باب تراحم المؤمنين ….. برقم”4691″(ج7ص3274).
[25] متفق عليه: رواه البخاري ك الإيمان باب من الإيمان أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه برقم”21″(ج1ص17)، و مسلم ك الإيمان باب الدليل على أن من خصال الإيمان أن يحب لأخيه المسلم ما يحب لنفسه من الخير برقم”67″(ج1ص103).
[26] رواه مسلم ك البر والصلة والأدب باب تحريم ظلم المسلم وخذلانه …. برقم”4657″(ج7ص3251)
[27] حسن: رواه أبوداود في السنن ك الجهاد باب في السرية ترد على أهل العسكر برقم”2375″(ج4ص1653)، وابن ماجة في السنن ك الديات باب المسلمون تتكافأ دمائهم “2675”(ج3ص1395)
[28] انظر الموسوعة الفقهية الكويتية 18/94 مجموع الفتاوى ابن تيمية (35/92-98).
[29] فتح الباري (10/502).
[30]النهاية في غريب الحديث والأثر (1/ 424-425)
[31] أحكام القرآن للجصاص ط العلمية (2/ 369-370)
[32] أحكام القرآن للجصاص (2/414/415).
[33] أحكام القرآن للجصاص (2/416) .
[34] انظر: الموفقات، وإعلام الموقعين، وقواعد الأحكام .
[35] الثوابت والمغيرات في مسيرة العمل الإسلامي (ص259).
[36] مجلة الأحكام العدلية (ص39).
[37] شرح القواعد الفقهية للزرقا (ص227).
[38] الفروق للقرافي (1/176).
[39] نتائج وتوصيات دورة المشاركة السياسية لمجمع فقهاء الشريعة بأمريكا، المنعقدة في كرمنتو بكاليفورنيا بأمريكا في المدة من 31/3/2006: 4/4/2006، (ص7).