دعوة العلماء إلى النفير العام.. المنطلق والمآل

كلماتٌ كأجراس الخطر يطلقها في الأثير الإسلاميّ ثلة من العلماء في إسطنبول، وعلى التوازي بيان يدوّي كالقارعة من الاتحاد العالميّ لعلماء المسلمين بالدوحة، وفي مصر شيخ الأزهر لا يكفّ عن توجيه الانتقادات للكيان ويدعو الدول العربية إلى التوحد ضدّ الخطر الصهيونيّ؛ ما الخطب؟

إنّها صحوة علمائية تبشر بتجديد الصحوة الإسلامية، ها نحن نرى -لأول مرة من زمن بعيد- الأمة الإسلامية في وضعها الصحيح، يتقدمها علماؤها وأهل الحلّ والعقد فيها، وغدًا سنرى أصداء هذه الدعوات المباركة في شباب الأمة وفي أجيالها، إنّ هذه الخطوة التي اتخذها علماء المهجر في إسطنبول ليست مجرد موقف دفعت إليه حميّة عابرة، أو حماسة خاطفة، وإنّما هي الصحوة.

حاجة الأمة للراية العلمائية

كم إنّ الأمة بحاجة لأن يتقدمها علماؤها في كلّ المواقف، فالعلماء هم فم الشرع ولسان الوحي، وهم الموقِّعون عن ربّ العالمين؛ وغيابهم عن الساحة تغييب لدور الشرع وتكميم لصوت الوحي وإقصاء للأحداث عن أحكام الله، وهذه الأمة كُتب عليها وقُدِّر لها – ولَنِعْمَ ما كتب عليها وقدر لها- أنّها لا فلاح ولا رشاد لها إلا بدينها؛ وهذا هو المنطلق الذي أحسبه تفرّد بقيادة العلماء إلى أن يقفوا موقفهم هذا، وإذَنْ فلننتظر المآلات الحسنة إذا استمر هذا النهج وازداد مع الأيام نضجًا، وازداد اشتباكًا مع الأحداث، التي ينتظر أن يعلو زخمها ويتسع نطاقها وتتسارع وتيرتها في قابل الأيام، وإنّ العلماء لهم أولو الأمر على الحقيقة، قال تعالى: (‌وَلَوْ ‌رَدُّوهُ ‌إِلَى ‌الرَّسُولِ ‌وَإِلى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)، وأكّد كثير من المفسرين كالجصاص وابن العربي أنّ أولي الأمر هم العلماء والأمراء، ونبّه المحققون من العلماء إلى أنّ العلماء هم الأصل في هذا لأنّ الأمراء لا يسعهم أن يتصرفوا في الشأن العام إلا بموافقة العلماء الذين هم لسان الشرع، ومن هنا يتضح المنطلق ويتراءى لنا المآل.

عندما تصير الكلمة موقفًا

يتبدَّى السرُّ في قوة البيانات والتصريحات العلمائية الأخيرة في كونها ليست مجرد كلمات، وإنّما هي في حقيقتها مواقف، وجاءت الكلمات فيها كالأفعال، وبهذا نستطيع أن نفرق بين كلام وكلام، بين كلمة هي في حقيقتها موقف، وكلام إنّما هو من قبيل الحشو وملء الفراغ، إنّ الكلمة التي تكون موقفًا هي الكلمة التي تصنع حراكًا واعيًا ناضجًا، هي الكلمة التي تتفاعل معها القلوب، وإذا أردت شاهدًا قريبًا على ذلك فهذا موقف الفتاة المغربية ابتهال أبو السعد، التي قالت كلمة، فطارت في الآفاق وغصّت بذكرها مواقع التواصل وتفاعلت معها القلوب والمشاعر؛ لأنّها ليست مجرد كلمة، وإنّما هي موقف، والكلمة الموقف هي التي يقولها المرء أو يكتبها مع احتمالية وقوع الضرر أو تأكّد وقوعه، وقد لاقت الفتاة أولى شدائدها بفصلها من ميكروسوفت، ونسأل الله أن يعفيها من شدائد أخرى يمكن أن تحلّ بها؛ لكنّها في النهاية أرسلت سهمها وأصابت كبد المؤسسة التي أعانت بالتكنولوجيا على الإجرام، وإذا توالت السهام الموجهة إلى المؤسسات الداعمة للإجرام فسوف يتحقق النصر للمستضعفين؛ فالذي نرجوه من كافّة العلماء أن يقفوا الموقف الصحيح بكلمة تكون موقفًا لا مجرد كلمة، ويجب على العلماء أن يرتحلوا من المناطقة الساكنة إلى حيث يقع التماس والاشتباك مع القضايا الكبرى الساخنة.

مواجهة المخذلين واجب على المخلصين

وفي الوقت الذي نرى فيه فتاة عشرينية تربت في الغرب ودرست في أمريكا ولم تُثْنِ يومًا ركبتها أمام فقيه أو محدّث تقول الكلمة التي صارت موقفًا أشعل المواقع الكبرى؛ نرى في المقابل شيخًا ارتخت لحيته إلى قرب سرّته، وتقلّص قميصه إلى قرب ركبته، وكادت زبيبة السجود تلتهم جبهته، وانحنى صلبه لكثرة السهر على القراءة والدرس، ويكاد لطول إلف المطولات من التفاسير والشروح أن يتوسد بعضها ويلتحف سائرها، رأيناه يصرّح قائلًا: “أهل غزة قرروا دخول الحرب منفردين، ولم يتشاوروا مع الدول الإسلامية التي كان يمكن أن تساعدهم، وإذا أردنا أن ندخل حربا مع اليهود فيجب أن نعلمهم بانقضاء الميثاق الذي بيننا وبينهم”!

أيّ ميثاق وأيّ مشاورة؟! وهل تسمي معاهدات السلام العربية الإسرائيلية مواثيق؟ إنّه لم يعد أحد من المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها يؤمن بها أو يصدقها إلا أنت وحفنة ممن لا علم لهم ولا عقل، فلا كامب ديفيد ومدريد ووادي عربة وأوسلو وأنابوليس والعقد الإبراهيمي معاهدات سلام، ولا أنت ممن يفرق بين ما هو من قبيل العهد وما هو من قبيل الختل والغدر، إن هي إلا عقود إذعان واستسلام، وإن أنت إلا رجل حسب نفسه عالمًا فصار يطاول القمم الشامخة بالمغالبة والمكابرة، هذا ما صار يدركه الطفل في مهده والعذراء في خدرها والعجوز في كهفها، ما هذا التزوير الذي تمارسه ببجاحة وتذيعه بوقاحة؟! أأنت سلفيٌّ حقًّا أم كائن متسلفنٌ لا علاقة له بالسلف ولا الخلف، أمّا السلف فهم أهل الجهاد والنجدة، وأمّا السلفية فهي المضيّ على نهج هذا السلف؛ فأين أنت ودعوتك منهم، بالله – إن كان قد بقي في جوفك شيء من التوقير لله – أطلِقْ وثاق الشباب الغضّ الذي انخدع فيك وانجذَبَ لترهاتك وحسبَكَ على علم وورع، وعُدْ إلى الكتب التي أهنْتَها وأَعِدْ النظر فيها حتّى تتعلم.

إنّ جميع معاهدات السلام التي أبرمت مع العدو الصهيونيّ باطلة، وإنّ بطلانها هو الحكم الذي تقضي به أصول وفروع المذاهب الفقهية الكبرى، السنّية منها وغير السنّية، وقد نصّت كتب الفقه على اختلاف مذاهبها – الحنفية والمالكية والشافعية والحنبلية والإمامية والإباضية والزيدية – على شروط لم تحظ معاهدة واحدة من تلك المعاهدات التي ذكرناها آنفًا بشرط واحد من الشروط الأربعة، التي إن غاب واحد منها فسدت وبطلت المعاهدة كلّها، أمّا الظاهرية فكانوا أشدّ من الجميع إذ قالوا بعدم مشروعيّتها من الأساس؛ فمِن أين – برب السماء – جئت بهذا الهراء؟ ومن الذي أخبرك بأنّهم إذا انفردوا بالقرار سقط واجب نصرتهم، أمشترعٌ أنت دينًا جديدًا أم متقول على دين الله بغير علم؟!

اقرأ أيضا