الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد ..
لماذا اتجه البرلمان إلى نسج قوانين فرعية في مسائل جزئية، ربما لو تأخرت قليلا لما ضر ذلك البلاد بشيء، وأعرض في المقابل عن أعمال ما كان ينبغي أن تتأخر أو تتأجل؟! لماذا لم يبادر البرلمان إلى إعادة هيكلة مؤسسات الدولة؟ لماذا لم يقم بإعادة هيكلة جهاز الداخلية مثلا؟ ولماذا لم يبادر – بعد أن عاد للانعقاد بقرار من الرئيس – إلى وضع تشريعات تعوق وتعرقل عمل المحكمة الدستورية وتضعها في أزمات دستورية وتشريعية كلما تحركت ضد المؤسسات المنتخبة؟!
بل: لماذا قرر البرلمان تعليق الجلسات بعد احيائها بالقرار الرئاسي؟! لماذا لم يواصل عمله معتمدا على جملة من الأصول التي تمكنه من ذلك، والتي منها أنه والمؤسسة الرئاسية يحظيان دون غيرهما بشرعية جاءت بعد ثورة هادمة لكل ما سبقها ناسخة لجميع ما تقدمها؟! كيف يمد البرلمان عنقه لفأر حقير لينحره نحر الجزور؟!
لا زلت أذكر قانون تنظيم التظاهر الذي تقدم به بعض الأعضاء الجهابذة الذين نكن لهم كل احترام وتقدير، ولا زلت أذكر كيف كان هذا المقترح النكد مثارا للسخرية والاستهزاء من أناس لا خلاق لهم، لقد عارضه كثير من الإسلاميين لكنه كان مثالا صارخا لانشغالنا عن الجادة وانصرافنا إلى أمور هزلية؛ مما جرأ علينا كلاب الأرض الضالة.
ولا زلت أذكر قانون (حد الحرابة!) الذي اقترحه على استحياء أحد النواب السلفيين؛ ربما ليحرز السبق في مضمار التنافس لإرضاء العسكر الذين تأذوا كثيرا من تظاهر الالتراس وحازمون ضدهم.
ولا زلت أذكر الجلسات الطويلة العريضة التي قام فيها البرلمان بجلد (خيال المقاتة) حكومة الجنزوري؛ وأذكر الوقت الذي ضاع في مناقشة بيان حكومة نعرف انها لا حكم لها؛ كأننا ننفس طاقتنا (الثورية!) في ركل تمثال أصم فلا هو وقع ولا الأرجل سلمت من الأذى.
ولا زلت أذكر ارتعاش البرلمان وعدم قدرته على اتخاذ قرار بإخراج باقي المعتقلين السياسيين الذين انهو مدة حكمهم؛ حتى قالها اللولبي ممدوح شاهين: (الأمر سهل جدا .. نكلم المشير طنطاوي رئيس المجلس العسكري الحاكم (هكذا قال) وهو بجرة قلم يطلعهم!)
ولا زلت أذكر الموقف المتخاذل من البرلمان تجاه مجزرة العباسية، تلك التي كانت – كما صرح حمدي بدين – بروفة حية لمن تسول له نفسه المساس بهيبة الجيش، لازلت اذكر شعوري يومها بأن دماءهم في اعناقنا نحن، وأذكر كذلك كيف كان الجميع الا من رحم الله يتجاهل هذه القضية.
اعلم انه قد كان من بيننا مهرة بارعون في الجدال والنزال، لكنه كان جدالا ونزالا في غير ميدان، ولقد شبهت في إحدى مداخلاتي البرلمان والحكومة بقوم يركبون القطار، وهم في داخل القطار يتدافعون، بعضهم يجري للإمام وبعضهم للخلف، وكل من الفريقين يجتهد في دفع الآخر إلى اتجاهه زاعما أنه الطريق الصحيح؛ بينما القطار الذي يحملهم يمضي بهم جميعا إلى الوجهة التي يريدها هو، والقطار هو المجلس العسكري.
لم يكن رئيس البرلمان تنقصه الشجاعة، ولم يكن رئيس الجمهورية تعوزه الكفاءة، وإنما للقرارات مطابخ وللمطابخ اعتبارات وحسابات، نحن جميعا جزء منها، وهذه ثقافتنا.
ومن أجل تسجيل التجربة بأمانة وتسليمها للجيل القادم ادعو الذين لهم سابق خبرة ولديهم فكر وقلم ان يسجلوها بموضوعية دون دخول في مهاترات جانبية أو نزاعات شخصية.
ولست غافلا عن قدري، فإنني اعلم قبل غيري ان قدري أقل بكثير ممن ادعوهم لتسجيل التجربة، وما دعاني إليها شعور بالسبق أو ما شابه ذلك، انما أردت أن افتح الباب للقيام بواجب طالما اهملنا فيه.
ولتحقيق هذا الهدف شروط، أهمها التجرد والموضوعية، والحكم على الأحداث في سياقها التاريخي مع مراعاة جميع الملابسات، ومن الشروط كذلك أن تمضي في طريقك والا تلتفت – ما دمت على الحق – إلى من ينبح عليك.
انتهت ذكرياتي البرلمانية .. والسلام.