الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
على مَضَضٍ قرأتُ بيانكم الداعم لرئيسكم، فيما يتعلق بالملف الليبيّ، وبمجرد انتهائي منه أحسست كأنني وصلت من سفر بعيد اجتزت فيه طريقا وعراً وسط أدغال موحشة مظلمة، تنفست الصعداء، وآليت على نفسي ألا أعود لمثلها أبداً؛ إذْ لو خُيِّرَ الساذج على فطرته بين الجوع وبين أن يملأ جوفه قَيْئاً وصديداً لاختار – بلا أدنى تردد – الجوع ولو كان قاتلاً، وإنّني لفي ذهول مشوب بالرعشة والفزع من ذلك الكمّ الهائل من المغالطات والترهات، السابحة في سياق غاية في الهشاشة والركاكة والإسفاف!!
كلا لن أعود ولن أخوض، وسأخرج من كل ما علق بي في رحلتي البئيسة تلك إلى فضاء واسع رحب فسيح، فَدَعُونا من كل هذا، وقولوا لنا بالله – الذي سجدتم له حتى أكلت الزبيبة الجباه فلم تترك منها إلا بقدر ما تركت لكم تنطعاتكم من فطرتكم التي فطركم الله عليها – قولوا لنا: أَمَعْصومٌ هو عبد الفتاح السيسي فلا يخطئ ولا تزل قدمه؟ أَمُوَفّقٌ هو ومسددٌ في كل ما يأتي ويذر من القرارات والتصرفات السياسية؟ فأنتم على مدى السبع العجاف التي مضت من حكمه تؤيدونه تأييداً مطلقاً؟!
سَنَدَعُكُم مما فعله مع الإخوان والفصائل الإسلامية الأخرى؛ فلنسلم لكم بأنّهم إرهابيون دواعش، يستحقون القتل والسحل ومصادرة الأموال والأرواح، ولنغض الطرف عن دعمكم لهم في أول الطريق وإلحاحكم عليهم ليرشحوا رئيسا منهم، سندع كل هذا ونطرحه خلف ظهورنا؛ لنخلص إلى مصلحة الوطن، الذي تتشدقون اليوم بذكره، وكل عارف بكم يعلم أنكم لم تَعْتَزُّوا يوما بالانتماء إليه، ومصلحة الثورة التي زايد نوابكم في البرلمان عليها بلا خجل ولا حياء، ويعلم كل غاد في بلادنا ورائح أنكم طعنتم خاصرتها في حال ضعفها وامتطيتم ظهرها في حال قوتها واشتدادها، دعوكم من هذا وذاك وقولوا لنا بصراحة: ما هي الإنجازات التي حققها السيسي للوطن وللثورة؟! حتى تتشبثون به وتتعلقون بأهدابه وتتكالبون عليه تكالب الأعراب على اللات والعزى!!
لقد تجاوز قطار الوعي (محطتكم) بآلاف الأميال، وصار الشعب كله يدرك حجم المصاب الذي حلّ بالوطن والمواطنين على السواء، فلا حرية ولا أمن ولا عيش ولا كرامة ولا حاضر ولا مستقبل، الأرض أهديت لأحبابكم من آل سعود، النيل الذي لم تنتموا يوما إلى ضفافه الغناء يوشك على الجفاف ويشرف على الفناء، انظروا كم مرة تضاعفت الأسعار؟ وإلى أي مدى تهاوى الجنيه أمام الدولار؟ هل نبا إلى علمكم أن الذين سقطوا تحت خط الفقر يزيدون حسب إحصائيات منظمات دولية على 60% وبحسب الإحصائيات الرسمية يبلغون 34%؟!
أمّا الدِّينُ الذي تدافعون عن حماه بأعواد السواك فقد رأيتم ماذا يُصنع به على شاشات التلفزيون، وما رأينا لكم صولة ولا سمعنا لكم ركزاً، المسافة بينكم وبين المداخلة تلاشت والهوة بينكم وبين الرسلانيين رُدِمت؛ وصرتم جميعا تغذون السير في طريق واحد لا رجعة عنه ولا عودة منه، وهو الطريق الذي اختارته الكنيسة لنفسها عندما دعمت الملوك وطالبت الشعوب بالطاعة العمياء لمن ملكوا بتقدير الرب، غير أنّ الكنيسة – ولاسيما الغربية – كانت حصيفة عندما تقاسمت مع القصر السلطة وتبادلت معه المنافع، بينما أنتم تتبرعون بالخدمة للطواغيت والجبابرة بلا مقابل!
هل جربتم مرة أن تشتروا راحة قلوبكم وعقولكم بالصمت؟ هل حاولتم مرة أن تكونوا رجالا ولو أمام أنفسكم ونسائكم وأولادكم؟ لقد والله صنعتم من أنفسكم أضحوكة للصغار؛ فما أشد ما جنيتم عليها بعد جنايتكم على الحقيقة! ألا تخشون الله لتزول عنكم الخشية الوهمية من هؤلاء اللأقزام المناكيد؟! (أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة 13).
إنّي أعظكم بواحدة: أن تقوموا مثنى وفرادى ثم تتفكروا: أيّ الرجلين أقوم سيرة وأهدى سبيلا مرسي أم السيسي؟ أيهما الحافظ لكتاب الله والوقاف عند حدود الله؟ أيهما التقيّ النقيّ الزاهد الربانيّ؟ أيهما العادل الصادق الوفيّ الأمين؟ من منهما المؤتمن على دين الله وشرعه؟ على أيهما يعول المسلمون في حفظ بيضة الإسلام والدفاع عن حمى الدين، من الأقرب والأصوب والألين والأحلم؟ فإن قلتم: مرسي وليس السيسي فتذكروا أنكم خرجتم مع السيسي على مرسي! وإن قلتم العكس فقد انقلبتم على رؤوسكم أمام أتباعكم؛ وهذا يكفينا.
يا أعجب من حملت الغبراء وأظلت السماء ممن انتسب إلى منهج الأنبياء؛ لقد جعلتم من مصلحة الدعوة صنما يعبد من دون الله! وجعلتم من الرؤساء والملوك والسلاطين آلهة مع الله! يا أغرب من دعا إلى (التوحيد!): (أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ)؟! لقد طالت لحاكم وطال معها تحايلكم على شرع الله، وقصرت ثيابكم وقصرت معها أنظاركم عن رؤية الحقيقة! فماذا أنتم قائلون لربكم يوم تعرضون عليه ويسألكم: (أَيْنَ شُرَكَاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)؟! أين السيسي وحفتر وابن سلمان وابن زايد وأين ضباط أمن الدولة والمخابرات؟ (لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ)!!
وإنّي لأعلم أنّ وراءكم أتباعاً يغترون بكم؛ فاتقوا الله فيهم ولا توردوهم المهالك؛ فوالله إنّ فيهم لخيراً كثيراً، وإنّهم لأهل للصلاح والإصلاح، فخافوا الله في أولاد المسلمين وفي أجيال المسلمين؛ واعلموا أنّ هذه الدنيا متاع قليل من بعده ذهاب عن هذه الدار ورحيل: (وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور)، وفي الأخير أدعو الله تعالى أن يهزم السيسي وحفتر وبشار وابن زايد وابن سلمان وأضرابهم وأعوانهم وأبواقهم من الإعلاميين ومشايخ الفتنة.