أليس غريبًا أن نبدأ ببيان المقاصد قبل بيان الحكم التكليفيّ؟ من حقك أن تطرح هذا السؤال؛ إذ وجدتني أخالف الترتيب المعهود أو المتوقع، ومن حقي أن أَزْعُمَ أنَّ هذا الترتيب هو الترتيب المنطقيُّ لتناول موضوع بهذا الحجم من العظمة، وعلى هذه الدرجة من الحساسية، هذا برغم أننا مكلفون بالقيام بالحكم الشرعيِّ حتى ولو لم نعلم الحكمة والمقصد منه، وأننا مُتَعَبَّدون بالحكم دون المقصد، وهذا هو مقتضى عبوديتنا لله تعالى وإسلامنا له، إلا أنَّه لدى البيان الذي يستهدف تغذية القلوب وتعبئة المشاعر وتوعية العقول، واغتيال الشبهات والأباطيل في مهدها؛ يكون لعرض الموضوع ترتيب آخر؛ وإنَّ لي في كتاب الله تعالى أسوة حسنة، فإنَّ أول آيات نزلت في تشريع القتال هي هذه الآيات من سورة الحج، فتأملوها لتروا كيف قُدِّمت المقاصد واحتُفِيَ بها قبل نزول الحكم التكليفيّ: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُم ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصرِهِم لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَولَا دَفعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعضَهُم بِبَعضٍ لَهُدِّمَت صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذكَرُ فِيهَا اسمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40)} (الحج 39-40).
فما هي إذن مقاصد تشريع الجهاد؟ وما هو المقصد الجامع الذي تنضوي تحته سائر المقاصد؟ وهل يمكن أن نصل من خلال استقرائنا لآيات القرآن إلى صورة واضحة نخرج بها على الناس؛ فَيَعُون المقصد ويدركون الغاية؛ فنسلم من سوء الظن ويسلمون من سوء الفهم؟ الجواب فيما ستحمله هذه السطور، فعسى أن يعانِقَها التوفيق، فَتُقَدِّمَ الحق مشفوعًا بالاستدلال والتوثيق.
في البداية نحن بحاجة إلى أن نرجع إلى الوراء خطوة واحدة؛ فنطرح هذا السؤال الضروريّ: هل الجهاد الإسلاميّ غاية أم وسيلة؟ وهو سؤال له ما بعده، ولا بد منه قبل الدخول في التفاصيل، ولنترك الآيات القرآنية تجيبنا عن هذا السؤال الهام؛ يقول الله عزّ وجلّ: {وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلَا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} [البقرة: 193]، ويقول جلّ شأنه: {وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ} [الأنفال: 39]، ويقول سبحانه وتعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ} [التوبة: 29]، فلو تأملنا هذه الآيات لتأكد لنا أنّ الجهاد وسيلة لا غاية، فقد تحدثت الآيات الكريمات عن غايات الجهاد، وفصلت بينها وبين القتال بـ (حتى) الغائية، وحَتَّى هنا حرف غاية وجر، والمراد به التعليل[1].
فالقتال – إِذَنْ – ليس غايةً في ذاته، والقتلُ لمجرد القتل ليس مقصودًا ولا مرادًا؛ لأنَّ الأصل أنَّ الإنسانَ بنيانُ الربِّ؛ فلا مسوّغ لأحد في هدمه إلا بإذنٍ من الربِّ تبارك وتعالى، وعندما يتولى القرآن الكريم تحديد الغاية والمقصد فلا مُتَّسَع لغايات ومقاصد تُولد من رحم الهوى، أو تَنْبُت في أرض النزوات والنزغات، فلننظر إلى الغاية الكبرى والمقصد الجامع الذي نص عليه القرآن نصًا.
{حَتَّى لا تَكُونَ فِتنَةٌ}، {وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ}… هاتان الجملتان المُحكَمَتان حَدَّدَتا – بإيجاز وإعجاز وإنجاز – الأهداف الواضحة التي تمثل المقصد الجامع من فريضة الجهاد في سبيل الله تعالى، كل جملة منهما ترسم شقًّا من المقصد الواحد الجامع، وهو تحقيق سيادة الشريعة وهيمنتها؛ هذه السيادة هي أصل الألوهية وصُلبُها، كما أَنَّ الخضوع لها هو جوهر العبودية ولُبُّها، وهذه السيادة لا تتحقق إلا بتحقيق الأمرين هذين: أَلَّا تكون فتنة، وأن يكونَ الدين لله، وقد ذكرهما الله تعالى- كغاية للجهاد ينتهي إليها – في سورتين من الكتاب العزيز، في البقرة: {وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَلَا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} (البقرة 193)، وفي الأنفال: {وَقَاتِلُوهُم حَتَّى لَا تَكُونَ فِتنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انتَهَوا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ} (الأنفال 39).
والفتنة – في الأصل اللغويّ لها – هي الامتحان الصعب والابتلاء العسير، تقول: فتن الذهب يفتنه إذا أدخله النار لينظر ما جودته[2]، ولأنَّ سيادةَ الشرك والكفر فتنةٌ للبشرية عامَّة ولأهل الإيمان خاصة؛ ورد تفسير الفتنة عن الصحابة والتابعين بأنَّها الشرك وبأنَّها الكفر[3]، وهم لا يقصدون حتمًا أنَّ الغاية التي ينتهي إليها الجهاد هي زوال الكفر والشرك ذاته – وإن كان زوالهما مرجوًا ومأمولًا – لأنَّهم أخذوا الجزية من أهل الكتاب وأقروهم على دينهم؛ عملًا بنص الكتاب، وكذلك أخذوها من المجوس؛ عملًا بالسنة، وإنَّما قصدوا بتفسيرهم هذا أنَّ الغاية التي ينتهي إليها الجهاد هي زوال فتنة الكفر والشرك؛ إما بزوالهما ودخول الناس في الإسلام، وإمَّا بزوال سيادتهما وهيمنتهما التي تمثل فتنةً تمنع أن يكون الدين لله تعالى، وذلك بدخول الناس في الطاعة لشريعة الإسلام، لذلك قال القرطبي: في معنى قوله تعالى: {فإن انتهوا}، (أي: عن الكفر؛ إما بالإسلام كما تقدم في الآية قبلُ، أو بأداء الجزية)[4]، ومن هنا وقع التفريق بين مُوجِب القتال ومُوجِب القتل، فلا خلاف في أنَّ فتنة الكفر والشرك موجبة للقتال، ومع ذلك وقع الخلاف في موجب القتل هل هو مجرد الكفر والشرك أم الحرابة مع الكفر والشرك؟ والراجح الذي عليه الجمهور هو الثاني لا الأول.
ومما يؤكد ضرورة تأويل تفاسير السلف بما يوافق اللغة التي نزل بها القرآن الكريم هذه الآيات التي بشَّعَت الفتنة في سياق يعدد الممارسات التي تقع عند سيادة قوى الكفر والشرك: ﴿يَسأَلُونَكَ عَنِ الشَّهرِ الحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُل قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفرٌ بِهِ وَالمَسجِدِ الحَرَامِ وَإِخرَاجُ أَهلِهِ مِنهُ أَكبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالفِتنَةُ أَكبَرُ مِنَ القَتلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُم حَتَّى يَرُدُّوكُم عَن دِينِكُم إِنِ استَطَاعُوا﴾[البقرة: 217]، ﴿وَأَخرِجُوهُم مِن حَيثُ أَخرَجُوكُم وَالفِتنَةُ أَشَدُّ مِنَ القَتلِ﴾[البقرة: 191].
ومثل هذا يقال في تفسيرهم للجملة الثانية {ويكون الدين لله}، فقد فسروها بأن يكون التوحيد خالصًا لله، وأن يدخل الناس في (لا إله إلا الله)[5]، ودخول الناس في (لا إله إلا الله) يكون بأحد أمرين: إما بالإسلام وإمَّا بالخضوع والدينونة لشريعة الإسلام، بأن يدفعوا الجزية ويلتزموا الصغار؛ والصغار خضوعهم لقانون الإسلام العام، ويؤكد هذا التأويل ضرورة الجمع بين هاتين الآيتين المحكمتين وبين قوله تعالى في آية محكمة أخرى من سورة التوبة: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ﴾[التوبة: 29]، فالآيتان السابقتان من البقرة والأنفال تمثلان الهدف الإستراتيجي، وآية التوبة تمثل الهدف الإجرائي الذي يصب في تحقيق الهدف الإستراتيجي.
وقول الله تعالى: ﴿قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِاليَومِ الآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعطُوا الجِزيَةَ عَن يَدٍ وَهُم صَاغِرُونَ﴾[التوبة: 29]، لا يفهم منه إلا أن السبب في هذا القتال هو أن هؤلاء الذين أُمِرنا بقتالهم لا يؤمنون إيمانًا حقيقيًّا بالله واليوم الآخر، ولا يقرون بسيادة الشرع؛ حيث لا يحرمون ما حرم الله ورسوله، ولا يدينون بدين الإسلام الحق، وأن الغاية التي ينتهي إليها هذه القتال هي أن يدخلوا في الإسلام، أو يدخلوا في الطاعة لدولة الإسلام والإذعان لسيادة شريعته، بأن يدفعوا الجزية ويلتزموا الصغار؛ وهو الخضوع للقانون الإسلامي والدستور الإسلامي وسيادة الدولة الإسلامية.
والفتنة التي قُصِدَ شرعًا مَحْوُها وإزالتُها تتمثل في سيادة شرائع الجاهلية، وما ينتج عن ذلك من حرمان خلق الله من دين الله؛ لذلك شُرع جهاد الفتح الذي هو فرض كفاية لدفع هذه الفتنة، وتتمثل كذلك فيما تمارسه الجاهلية بسيادتها وهيمنتها ضد أهل الإيمان؛ لذلك شرع جهاد الدفع الذي هو فرض عين لدفع هذه الفتنة، ولعل ورود إحدى الآيتين في سياق آيات جهاد الدفع في سورة البقرة؛ وورود الأخرى في سياق آياتٍ تمهد لجهاد الطلب والابتداء في سورة الأنفال يعكس التنوع هذا، ولعل ختم آية البقرة بجملة {فَلَا عُدوَانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ} وختم آية الأنفال بجملة {فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ بَصِيرٌ} يعكس اختلاف الحالين: حال يُكتفى فيه بدفع فتنة الظالمين عن المؤمنين، وحال أخرى هي حال الانطلاق لإماطة الفتنة عن كاهل البشرية جمعاء.
ويترتب على هذا التحديد الدقيق عدة نتائج، أولها دخول باقي أهداف الجهاد وغاياته ضمن هذه الغاية الكبرى بالتبعية، مثل تلك الغايات المذكورة في سورة التوبة: {قَاتِلُوهُم يُعَذِّبهُمُ اللَّهُ بِأَيدِيكُم وَيُخزِهِم وَيَنصُركُم عَلَيهِم وَيَشفِ صُدُورَ قَومٍ مُؤمِنِينَ، وَيُذهِب غَيظَ قُلُوبِهِم وَيَتُوبُ اللَّهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ، أَم حَسِبتُم أَن تُترَكُوا وَلَمَّا يَعلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنكُم وَلَم يَتَّخِذُوا مِن دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا المُؤمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ} [التوبة: 14 – 16]، ومثل غاية الدفع والدفاع المذكورة في أكثر من موضع من كتاب الله تعالى، كسورتي البقرة والحج.
كما يترتب عليه أيضًا فهم طبيعة العلاقة – حال القدرة والاختيار- بين الدولة الإسلامية والدول غير الإسلامية، فالأصل فيها ليس الحرب وليس السلم؛ لأنَّه لو كان الأصل هو الحرب لما ساغ توقف الجهاد بدفع الكفار للجزية، ولو كان الأصل هو السلم لأفضى إلى توقف الجهاد وتعطيله عن بلوغ غايته المنصوص عليها في محكم التنزيل، إنَّما الأصل هو سيادة الشريعة، فإذا تحققت هذه السيادة بدخول البعض في الإسلام، ودخول الآخرين في الطاعة لدولة الإسلام؛ بدفع الجزية والتزام الصغار ينتهي الجهاد إلى غايته، فالصراع إذن على السيادة والهيمنة، وكل ما عداهما من الغايات تابع وليس أصليًا.
والحقيقة أنَّ الخلاف حول مسألة الأصل في العلاقة بين الدولة الإسلامية وغيرها مسألة مفتعلة تحت ضغط الواقع الدولي المعاصر، بما يحمله من مواثيق دولية زائفة، وأنَّ الذين قالوا بأنَّ الأصل السلم أرادوا إيجاد مساحة في الفقه الإسلامي تحقق التكيف مع هذا الواقع، وأنَّ الذين قالوا بأنَّ الأصل الحرب استفزتهم النتائج التي ترتبت على القول بأنَّ الأصل السلم، وعلى رأسها حصر الجهاد الإسلامي في جهاد الدفع وحسب، وهي نتيجة غريبة غاية الغرابة عن الفقه الإسلامي؛ لأنّ جهاد الطلب فرض كفاية بإجماع العلماء، أمَّا جهاد الدفع فهو فرض عين[6].
ويترتب على ذلك أيضًا ضرورة التقيُّد بغايات الجهاد ومقاصده؛ بما لا يخرج به عن مقتضيات هذه الغايات والمقاصد التي من أجلها شُرع؛ فلا يصح- بحال – أن يتلبس المجاهد بظلم أو تعدٍّ – بما أنّه مجاهد – فمنهج الله تعالى لا يحابي أحدًا مهما كانت منزلته، لذلك وجدنا حِبَّ رسول الله وابنَ حِبِّه يتعرض من رسول الله صلى الله عليه وسلم لهذا التأنيب الشديد عندما تأَوَّلَ وقتل من نطق بالشهادتين: «يَا أُسَامَةُ، أَقَتَلْتَهُ بَعْدَ مَا قَالَ لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ» قُلْتُ: كَانَ مُتَعَوِّذًا، فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا، حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي لَمْ أَكُنْ أَسْلَمْتُ قَبْلَ ذَلِكَ اليَوْمِ [7]، ونزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبتُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَن أَلقَى إِلَيكُمُ السَّلَامَ لَستَ مُؤمِنًا تَبتَغُونَ عَرَضَ الحَيَاةِ الدُّنيَا فَعِندَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِن قَبلُ فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيكُم فَتَبَيَّنُوا إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء: 94].
واللافت للنظر بشدّة تلك اللفتة القرآنية الرحيمة العادلة: {كذلك كنتم من قبل فمن الله عليكم فتبينوا}، أي: تذكروا أنكم كنتم من قبل مثل هؤلاء الذين تسارعون إلى قتلهم إذا ظفرتم بهم، فمَنَّ الله عليكم واستنقذكم من الكفر ومن الاستضعاف؛ فتبينوا إذًا ولا تحرموا عباد الله ما منَّ به عليكم، قال سعيد بن جبير: معناه كنتم مستخفين من قومكم بإسلامكم، خائفين منهم على أنفسكم، فمنَّ الله عليكم بإعزاز دينكم، وإظهار شريعتكم، فهم الآن كذلك، كل واحد منهم خائف من قومه، متربص أن يصل إليكم، فلم يصلح إذا وصل أن تقتلوه حتى تتبينوا أمره[8].
ولأنَّ القتال ليس غاية في ذاته؛ ولأنّ القتل لمجرد القتل ليس مقصودًا ولا مرادًا؛ ولأنَّ الأصل أنَّ الإنسان بنيان الربِّ؛ اتفق العلماء على تحريم قتل نساء الكفار وصبيانهم وَخَنَاثَاهُم ومجانينهم إذا لم يشاركوا في الحرب، ولم يكونوا مخالطين للمقاتلين أثناء الغارة عليهم، وعلى تحريم قتل الرسل المُوفَدِينَ مِن العدو لتبليغ رسالة أو لتفاوض أو ما شابه ذلك[9].
ومستند الإجماع على عدم جواز قتل النساء والصبيان أحاديث صحاح، منها ما رواه الشيخان عن ابن عمر- رضي الله عنهما-: «أنَّ امرأة وُجِدَت في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم مقتولة، فأنكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قتل النساء والصبيان»[10]، قال النووي: (أجمع العلماء على العمل بهذا الحديث، وتحريم قتل النساء والصبيان إذا لم يقاتلوا)[11]، ومستند إجماعهم على تحريم قتل الرسل ما رواه أبو داود والحاكم عن نعيم بن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لابن النواحة وصاحبه اللذين أوفدهما مسيلمة إليه: «لولا أن الرسل لا تُقتَل، لضربت أعناقكما»، قال العلماء: (ومضت السنة أن الرسل لا تُقتل)[12].
ويَلحق بالنساء والصبيان والرسل في تحريم قتلهم كلُّ مَن لا يتأتَّى منه القتال، وهو قول الجمهور؛ من الحنفية، والمالكية، وأحد قولي الإمام أحمد، والشافعية في قول عندهم[13]، وحجة الجمهور غاية في القوة والظهور؛ فقد احتجوا بالقياس على النساء والصبيان، بجامع انتفاء علة المقاتلة، فيبقى مَن لا يتأتى منهم القتال على أصل عصمة الدم، فيدخل فيهم الرهبان والشيوخ والزَّمنَى والسُّوقَة من تجار وأصحاب صنائع وفلاحين وعسفاء (أُجَرَاء) ووصفاء (مماليك)، ومَن يُعَدُّ مِن المستضعفين؛ لأن مظنة عدم حدوث الضرر تقوم مقام عدم حدوثه حقيقة[14].
والعام إذا خُصِّصَ جاز عند الجمهور تخصيصه بعد ذلك بالأقيسة، وقد خُصِّصَ عموم قتل المشركين بالنهي عن قتل الرسل والنساء والصبيان، فجاز التخصيص بعد ذلك بالقياس، وقالوا: ليس من غرض الشارع إفساد العالَم، وإنما إصلاحه، وذلك يحصل بقتل المقاتلة، وليس الشيخ الفاني أو المريض الميؤوس مِن برئه ونحوه ممن لا قتال فيه؛ لأن ما ثبت بالضرورة يتقدَّر بقدرها[15]، وفي النهاية مبنى المسألة ليس على التعبُّد المحض بعدم قتل النساء والصبيان والرسل لذواتهم لعلة غير معقولة المعنى حتى نحتاج لدليل خاص في كل صنف لا يجوز قتله، وإنما مبنى الحكم على علة أَوْمَأَ إليها النص، وهي عدم المقاتلة كما سبق في قوله صلى الله عليه وسلم في المرأة المقتولة: «ما كانت هذه لتقاتل».
ويؤيد ما تقدم من ترجيح مذهب الجمهور ما رواه مسلم عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ، عَن أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيشٍ أَو سَرِيَّةٍ، أَوصَاهُ فِي خَاصَّتِهِ بِتَقوَى اللهِ وَمَن مَعَهُ مِنَ المُسلِمِينَ خَيرًا، ثُمَّ قَالَ: «اغزُوا بِاسمِ اللهِ فِي سَبِيلِ اللهِ، قَاتِلُوا مَن كَفَرَ بِاللهِ، اغزُوا وَلَا تَغُلُّوا، وَلَا تَغدِرُوا، وَلَا تَمثُلُوا، وَلَا تَقتُلُوا وَلِيدًا…»[16]، وكذلك فعل أبوبكر؛ فعن يحيى بن سعيد أن أبا بكر بعث جيوشًا إلى الشام فخرج يشيّعهم، فقال ليزيد بن أبي سفيان: (إِنَّكَ سَتَجِدُ قَومًا زَعَمُوا أَنَّهُم حَبَسُوا أَنفُسَهُم لِلَّهِ، فَذَرهُم وَمَا زَعَمُوا أَنَّهُم حَبَسُوا أَنفُسَهُم لَهُ،… وَإِنِّي مُوصِيكَ بِعَشرٍ: لاَ تَقتَلَنَّ امرَأَةً وَلاَ صَبِيًّا وَلاَ كَبِيرًا هَرِمًا، وَلاَ تَقطَعَنَّ شَجَرًا مُثمِرًا، وَلاَ تُخَرِّبَنَّ عَامِرًا، وَلاَ تَعقِرَنَّ شَاةً وَلاَ بَعِيرًا إِلاَّ لِمَأكَلَةٍ، وَلاَ تُحرِقَنَّ نَحلًا وَلاَ تُغرِقَنَّهُ، وَلاَ تَغلُلُ، وَلاَ تَجبُن)[17].
نخلص من كل ما تقدم إلى أنَّ الجهادَ الإسلاميّ بريءٌ من كل من يمارسُ باسمه القتلَ والترويعَ لمن لا يتأتى منهم قتالُ المؤمنين ولا الصدُّ عن سبيل الله، وبريءٌ كذلك من التُّهَمِ التي يلفقها ويلصقها بالإسلام كلُّ مغرضٍ أفَّاق، صيَّالٌ لسانُه وبَنانُه بالكذب والنفاق؛ فلا يُزايَدُ على الإسلام في هذا ولا يُساوَم عليه، وليس الجهاد الإسلاميُّ إرهابًا كما يصوره المبغضون لدين الله الحانقون على الإسلام، وإن كان في إمضائه إرهاب لمن يمارسون الإرهاب الحقيقيَّ للإنسانية تحت مسميات وغطاءات عديدة، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِبَاطِ الخَيلِ تُرهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرِينَ مِن دُونِهِم لَا تَعلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم} (الأنفال 60).
إنما الإرهاب الحقيقي هو ما تمارسه زعيمة العالم الرافعة لشعار حقوق الإنسان بيد ملطخة بدماء بني الإنسان، الإرهاب الحقيقي هو ما تمارسه أمريكا الآن في بلاد المسلمين، وما مارسته من قبل مع غير المسلمين من الشعوب المظلومة المقهورة، يقول (نعوم تشومسكي): (أعاقت حكومتنا بعض الحكومات البرلمانية، وأسقطت بعضها، كما حدث في إيران عام 1953م، وجواتيمالا عام 1945م، وتشيلي عام 1972م، ولم يكن القتل العادي هو عمل القوات التي حركناها في نيكاراجوا، أو عمل وكلائنا الإرهابيين في السلفادور أو جواتيمالا، ولكنه كان بصفة واضحة قتل القسوة والتعذيب السادي؛ تعليق النساء من أقدامهن بعد قطع أثدائهن وفضِّ بكارتهن، وقطع الرؤوس وتعليقها في الخوازيق، ورطم الأطفال بالجدران حتى يموتوا…)[18].
وفي كتابها الذي عرَّت فيه الوجه البشع للرأسمالية تقول البرلمانية الكندية (نعومي كلاين) عمَّا مارسه وكلاء الـ (سي آي إيه): (كان الإخفاء عن وجه الأرض بحلول منتصف السبعينيّات قد أصبح الطريقة الأولى لتطبيق نظرية مدرسة شيكاغو على امتداد أراضي المخروط الجنوبي، ولم يمارسها أحد بالحماسة التي مارسها بها الجنرالات الذين حكموا القصر الجمهوري، ففي نهاية حكم هؤلاء؛ كان قد اختفى ما يقارب ثلاثين ألف شخص، رمي العديد منهم على غرار نظرائهم التشيليين من الطائرات في المياه الموحلة)[19].
وهذه المستشرقة الألمانية (زجريد هونكة) تصف ماضي الغرب وماضي المسلمين وتقارن بين الصفحتين: تقول: (عقب وصول الصليبيين إلى هدفهم المنشود بيت المقدس، طغت حماستهم فجرفت أمامها كل السدود، وانطلقوا سيلًا بشعًا بربريًّا يأتي على الأخضر واليابس، وقد أجج ذلك صيامهم ثلاثين يومًا حماسة متعصبة، ونذرًا للرب تقربًا، ولقي هذا كله رد فعل لدى سفاكي الدماء من فرسان الفرنجة من فرنسيين ونورمان، وجموعهم التي انحدرت في طرقات بيت المقدس تحصد الأرواح حصدًا، لا تقع على إنسان إلا قتلته… رجالًا ونساءً وشيوخًا وولدانًا، وتذكر مصادرنا الغربية ذاتها أن ذلك الحصاد الوحشي بلغ عشرة آلاف ذبيح، ويصف المؤرخ الأوروبي «ميشائيل دار سيرر» كيف كان البطريرك نفسه يعدو في زقاق بيت المقدس وسيفه يقطر دمًا حاصدًا به كل من وجد في طريقه، ولم يتوقف حتى بلغ كنيسة القيامة وقبر المسيح، فأخذ في غسل يديه تخلصًا من الدماء اللاصقة بها، مرددًا كلمات المزمور التالي: [يفرح الأبرار حين يرون عقاب الأشرار، ويغسلون أقدامهم بدمهم، فيقول الناس: حقًّا، إن للصديق مكافأة، وإن في الأرض إلهًا يقضي] [المزمور 58: 10-11].
أما الميدان الذي يتحلق قبة الصخرة والمسجد الأقصى الذي لجأ إليه معظم الأهالي المسلمين الهاربين هلعًا واحتماءً به، فقد تحول تحت زحف الفرنجة المدمر إلى حمام دماء، خاض فيه مهاجمو النصارى حتى الكعبين، مواصلين الإجهاز على المسلمين، لقد كانت الحملة الصليبية الأولى 1095م بمثابة المقدمة الموسيقية الحزينة لواحدة من كبريات مآسي العبث في تاريخ الإنسانية، لقد حفر ذلك اليوم حفرًا يتأبى على المحو أبدًا في ذاكرة التاريخ… وإن كانت الحملة الصليبية الأولى قد انتهت لوقت مؤقت معلوم بالغلبة الساحقة لمقاتلي النصارى دفاعًا عن المسيح، فإنها كانت في الوقت نفسه هزيمة أخلاقية مهولة سجلها تاريخ الإنسانية بحروف من الخزي، ولقد أيقظت تلك الحملة البربرية ما أيقظت في نفوس المسلمين في شتى بقاع العالم الإسلامي… ولن تزال تلك الحملة الصليبية الأولى بقعة عار وخزي لاصقة بالغرب مشيرة إليه بإصبع الاتهام)[20].
وليست الغاية من الجهاد فرضُ الدين على الناس بالقوة، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله نصٌّ يدل على ذلك، وليس في فقرات التاريخ الإسلامي على طوله وكثرة ما وقع فيه من أحداث ما يشير إلى ممارسة الأمة لذلك، وإنما غاية الجهاد هي إماطة الفتنة التي تمارسها القوى الغاشمة الظالمة على الشعوب؛ حتى تتحرر هذه الشعوب، ويمتهد بذلك السبيل لدخولها في دين الله عن طواعية واختيار؛ إذا ما رأت الآيات وَخُلِّي بينها وبين كتاب الله عز وجل لتسمع خطاب السماء، فالجهاد ينتج للناس حرية العقيدة، ويكسر الحواجز التي تعيق وصول الحق إليهم، ويسقط الحواجز التي تحول بينهم وبين رؤية الحق ومعرفته، ولَدَى تحققِ ذلك يَقَالُ للناس: {لَا إِكرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَبَيَّنَ الرُّشدُ مِنَ الغَيِّ} (البقرة 256)، وهي آية محكمة لم تنسخ، وقد نزلت في قوم من الأنصار كان لهم أولاد قد هودوهم أو نصروهم، فلما جاء الله بالإسلام أرادوا إكراههم عليه، فنهاهم الله عن ذلك، حتى يكونوا هم يختارون الدخول في الإسلام[21].
إنَّ الغاية من الجهاد ليست إلا تحقيق هيمنة الشريعة وسيادتها؛ “ومن ثم فقد أضحى الغرض من الجهاد ليس تحويل الناس عن دياناتهم إلى الإسلام، وإنما إخضاعهم للحكم الإسلامي… وقد كان ما يدفعونه أحيانًا أقل مما كانوا يدفعونه لحكامهم السابقين، كما أن الدولة الإسلامية كانت تعتبر أمر حمايتهم حماية فعالة واجبًا من أقدس الواجبات”[22].
ولقد شهد الكثيرون ممن لديهم بعض الحيادية من مفكري الغرب بهذا: فيقول “غوستاف لوبون”: “إن القوة لم تكن عاملًا في انتشار الإسلام، فقد ترك العرب المغلوبين أحرارًا في دياناتهم، فإذا حدث أن انتحل بعض الشعوب النصرانيةِ الإسلامَ، واتخذ العربية لغة له؛ فذلك لما كان يتصف به العرب الغالبون من ضروب العدالة التي لم يكن للناس عهد بمثلها، ولما كان عليه الإسلام من السهولة التي لم تعرفها الأديان الأخرى”[23].
وتقول المستشرقة الألمانية “زغريد هونكة”: “العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام، فالمسيحيون والزرادشتية واليهود- الذين لاقوا قَبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها- سُمح لهم جميعًا دون أي عائق يمنعهم ممارسة شعائر دينهم، وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى، أوليس هذا منتهى التسامح؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ، وبعد فظائع الإسبان واضطهاد اليهود؟ إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا أنفسهم في شؤون تلك الشعوب الداخلية، فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب: إنهم يمتازون بالعدل، ولا يظلموننا البتة، وهم لا يستخدمون معنا أي عنف)[24].
وأقول لكل من يروج عن الإسلام أنَّه دين إرهاب وقتل، وأنَّه انتشر بحد السيف، ويستثمر بعض أحداث التاريخ الإسلامي التي وقعت بين الأسر الحاكمة؛ ليشوه وجه الحضارة الإسلامية؛ أقول له ولكل بوق يردد قوله: لو قيست الحضارة الإسلامية بحضارات الأمم – بما في ذلك أمم الديمقراطية في العصر الحديث – لظهر أنَّ نارها الملتهبة أندى من جنة الحضارة الغربية بما فيها من زيف ورياء، فإن كنت مقارنًا فاجتهد في أن تحصي عدد الذين ماتوا في الحروب الإسلامية بأسرها – سواء منها الداخلية أو الخارجية – لعلك تظفر برقم يقترب من عشر معشار الخمسين مليونًا من المدنيين – على حسب أكثر الإحصائيات تفاؤلًا – الذين قتلوا في الحرب العالمية الثانية وحدها، فإن ظفرت بذلك فلن نسألك عن الحرب العالمية الأولى ولا عن الحروب النابليونية قبلها، ولا عن حرب السنوات السبع والسنوات التسع والثلاثين عاما، وسنغفر لك قصور همتك عن الإحصاء، وسنغفر لهم كذلك محوهم لأمَّة برمتها من الوجود كانت تسمى ذات يوم بالهنود الحمر، وسنطوي لهم سجل الـ 210 مليونًا- بحسب تقرير اليونسكو – من الأفارقة الذين اصطادوهم واستعبدوهم ببشاعة تفوق الوصف، وسنطمر جوانتانامو في البحر، ونطرح على أبو غريب رداء الصحراء، أمَّا هيروشيما ونجازاكي فالنسيان سيكون قبرها ومثواها.
لذلك سيبقى الجهاد – ما بقي الليل والنهار- هو الوسيلة التي يتحقق بها مقصود الشارع الحكيم في دفع الفتنة عن المؤمنين، ثم عن كاهل البشرية جمعاء، وسيظل شريعةً محكمةً وسُنَّةً متَّبَعةً وصبغةً للأمة الإسلامية لا تفارقها حتى يفارق القرآن المصاحف والصدور، ولن يؤثر في هذا المحكم الفذّ تحريف الغالين، أو انتحال المبطلين، أو تأويل الجاهلين، وإذا كانت بعض الممارسات التي قام بها الغلاة والتي وقعت هنا وهناك قد أنتجت بعض المفاسد والشرور وشوهت وجه الجهاد الصبوح الطهور، فإنَّها لا يمكن أن تأتي على ما شرعه الله لتحقيق المقاصد العالية بالإبطال أو التنقيص؛ فأسباب المفاسد ليست كامنة في أصل هذه الشريعة المحكمة، وإنما مرد المفاسد إلى الممارسة الخاطئة، وإلى عوامل أخرى. (يُتْبَعُ)[25]
الجزء الأول، الجزء الثاني، الجزء الثالث
الهامش
[1] إعراب القرآن وبيانه 1/ 282.
[2] مختار الصحاح، وراجع العين، وأساس البلاغة، مادة: (فتن).
[3] الطبري 3/570.
[4] تفسير القرطبي 2/728.
[5] تفسير ابن كثير 2/298.
[6] راجع: تفسير القرطبي لقوله تعالى: {كتب عليكم القتال}.
[7] متفق عليه: البخاري 5/ 144 برقم (4269)، مسلم 1/ 97 برقم (96).
[8] المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز تفسير ابن عطية 2/ 97.
[9] ر: الدر المختار ورد المحتار 3/224، 244، روضة الطالبين 10/244، منهاج الطالبين وشرحه للمحلي 4/218، منح الجليل 1/714، المغني 9/249، ط: الثانية، القاهرة 1413هـ-1992م، الإنصاف 4/128-129، مطالب أولي النهى 2/517، زاد المعاد 2/75 ،3/32.
[10] أخرجه البخاري (3014)، ومسلم (1744).
[11] شرح صحيح مسلم 12/48.
[12] عون المعبود 7/242، المستدرك 3/53، البداية والنهاية 5/52، زاد المعاد 2/75 ،3/32.
[13] بدائع الصنائع 7/101، منح الجليل 1/714، 715، وشرح منهاج الطالبين 4/218.
[14] تبيين الحقائق 3/345، بدائع الصنائع 7/107، فتح القدير 5/202-203، بداية المجتهد 1/383-385، جواهر الإكليل 1/253، حاشية الدسوقي والشرح الكبير 2/176، منح الجليل 1/714، اللباب في شرح الكتاب للميداني 4/119، المغني 13/178-180، الأم 4/240، الإنصاف 4/128، القوانين الفقهية ص 98، أسنى المطالب 4/190، وانظر: معنى الوصفاء في الأحكام السلطانية للماوردي ص 41، المحلى 7/296-297.
[15] نصب الراية 3/386-387، منح الجليل 1/714، مجموع الفتاوى 28/355.
[16] صحيح مسلم 3/ 1357 برقم (1731).
[17] موطأ الإمام مالك (918)، مؤسسة الرسالة، شرح السنة للبغوي (2696)، المكتب الإسلامي.
[18] نقلًا عن مجلة البيان عدد 175 صـ61.
[19] عقيدة الصدمة، صعود رأسمالية الكوارث، نعومي كلاين، ت: نادين خوري، المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت لبنان، ط: الثالثة 2011م، صـ 134.
[20] الله ليس كذلك، زيجريد هونكة، ترجمة: د. غريب محمد غريب، صـــ21-22، الطبعة: الثانية.
[21] تفسير الطبري، جامع البيان، ت: شاكر، 5/ 407.
[22] فضل الإسلام على الحضارة الغربية، مونتجومري وات، ترجمة: حسين أحمد أمين، دار الشروق، بيروت لبنان، ط: 1983م، صـــــــــ15.
[23] حضارة العرب، (غوستاف لوبون)، صـ 127.
[24] شمس العرب تسطع على الغرب، (زغريد هونكة)، ترجمة: فاروق بيضون وكمال دسوقي، صـ 364.
[25] الآراء الواردة تعبر عن آراء كاتبها، ولا تعبر بالضرورة عن “المعهد المصري للدراسات السياسية والاستراتيجية”.