إدارة الاختلاف .. إدارة المشترك .. إدارة التعددية .. فنون لازمة لكل جيل متحرك فَعَّال، وشروط للنهضة والثورة والتغيير، ومعايير لقياس مستوى النضج الاجتماعيّ والسياسيّ والدعويّ والحركيّ، فما من حضارة قامت إلا وكانت هذه الفنون من ركائزها ودعائمها؛ لذلك يُعدّ الحديث عنها من قبيل الإعداد للثورة والتغيير والبناء والتطوير، وبَعْد تَنَاوُلي لِفَنِّ إدارة الاختلاف أجدني على موعد مع فن إدارة المشترك، وهو فن غاية في الأهمية من وجهين، الأول: أنّه يسهم في التقليل من مساحات النزاع المفضي للفشل وذهاب الريح، والثاني: أنّه مدخل واسع لتعظيم الاستفادة من كل المقومات والطاقات المتاحة.
في البداية لا بد من التسليم لحقيقة واقعية في هذه الحياة: ما من أمرين متغايرين أو حتى متقابلين متضادين إلا وبينهما مساحات مشتركة، تضيق وتتسع بحسب درجة الاختلاف أو مقدار التغاير والتباين، فالليل والنهار يتعاقبان أبداً مؤكدين واقع التضاد الكامل والتقابل التام، ومع ذلك كثيرا ما يسطع في سماء الليل الدامس نجوم تتلألأ؛ تذيب بلمعانها غشاء العتمة، وتثقب بأشعتها جدار الظلمة، وكثيرا ما يغشى ضوءَ النهارِ الباهرِ سحبٌ تتدافع وغيومٌ تتابع، ولا يذهب أحدهما ليخلفه الآخر إلا وبين إقبال هذا وإدبار ذاك مساحة متوسطة تتدرج ببعدها أو قربها من ذيل الذاهب أو ناصية الآيب.
وهكذا الأمر في حياة الخلق ودنيا الناس؛ لا تكاد تجد مختلفَيْنِ أو حتى متضادَّيْنِ من المذاهب والنِّحَل ومن العقائد والملل، ومن الأمم والشعوب والجماعات والأحزاب والكيانات والدول؛ إلا وبينهما مساحات مشتركة تضيق وتتسع بحسب ما بينهما من تقارب أو تباعد، هذا هو الواقع القائم الجاثم؛ فهل يجرؤ أحد على إنكاره أو التنكر له؟ فلننطلق من هذه المسَلَّمة إلى ما نريد من الخير لكل الناس في دنياهم وأخراهم وفي سكونهم ومسعاهم.
بداية يجب أن نقرر قاعدة تساعدنا في ضبط (البوصلة) حتى لا ننزلق إلى ما انزلق إليه كثير ممن يسكنون المناطق التي يحلو لهم أن يصفوها ب(الرمادية) ويتقنون من موقعهم هذا فنّ تزيين وتسويق أنصاف الحلول وأنصاف المواقف وأنصاف الثورات وأنصاف كل شيء لا يقبل التجزئة ولا التنصيف؛ إذ ليس هذا هدفاً لنا، ولا مكتسباً صحيحاً من المكتسبات التي تتيحها المشتركات، والقاعدة هي أنّ المشتركات – برغم استقرارها واستمرارها وكثرتها وانتشارها – عوارض؛ فوجود المساحات المشتركة لا يعني إمكان التلاقي بين الحق والباطل، أو بين الإسلام والجاهلية، أو بين الخير والشر، أو بين الثورة والثورة المضادة، أو بين العدل والظلم، ولا يعني كذلك إمكان خلط شيء من هذا بنقيضه للخروج ب(خلطة) ترضي جميع الأطراف، ولا يعني أيضاً أنّ المشترك صار مكوناً ثالثاً يمثل مع المتعاكسين رأس مثلث متكامل، ويَسْهُل فهمُ طبيعة المشتركات بردها إلى أصلها، فالأصل هو أنّ الله فطر الخلق على الحق، فطرهم على الإسلام، على الخير والعدل والجمال، فلما وقع الانحراف بقي مع أهل الانحراف بقية من الحق والخير والإسلام والعدل والجمال، فصارت هذه البقية مشتركات في حياة الناس.
ولندلف إلى صلب الموضوع بطرح مثال يُعَزِّز ما سبق ويمهد لما نحن مقبلون عليه، لقد وردت هذه الكلمات الخمس بنصّها على لسان اثنين ممن اشتهروا بين العرب برجاحة العقل وثقافة الذهن؛ بما يعني أنّها كانت منتشرة ومستقرة لكونها تمثل ثقافة أمّة وحضارة شعب، والكلمات هي: “إنّك لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ”، هذه الجمل قالتها خديجة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقالها ابن الدغنة سيد القارة لأبي بكر رضي الله عنه، وكلا الروايتين في صحيح البخاريّ.
الرواية الأولى: “… فَقَالَ لِخَدِيجَةَ وَأَخْبَرَهَا الخَبَرَ: «لَقَدْ خَشِيتُ عَلَى نَفْسِي» فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: كَلَّا وَاللَّهِ مَا يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا، إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ …”[1] والرواية الثانية: ” … خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ مُهَاجِرًا قِبَلَ الحَبَشَةِ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَرْكَ الغِمَادِ لَقِيَهُ ابْنُ الدَّغِنَةِ، وَهُوَ سَيِّدُ القَارَةِ، فَقَالَ: أَيْنَ تُرِيدُ يَا أَبَا بَكْرٍ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: أَخْرَجَنِي قَوْمِي، فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أَسِيحَ فِي الأَرْضِ، فَأَعْبُدَ رَبِّي، قَالَ ابْنُ الدَّغِنَةِ: إِنَّ مِثْلَكَ لاَ يَخْرُجُ وَلاَ يُخْرَجُ، فَإِنَّكَ تَكْسِبُ المَعْدُومَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَحْمِلُ الكَلَّ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، وَأَنَا لَكَ جَارٌ، فَارْجِعْ فَاعْبُدْ رَبَّكَ بِبِلاَدِكَ، فَارْتَحَلَ ابْنُ الدَّغِنَةِ، فَرَجَعَ مَعَ أَبِي بَكْرٍ، فَطَافَ فِي أَشْرَافِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَقَالَ لَهُمْ: إِنَّ أَبَا بَكْرٍ لاَ يَخْرُجُ مِثْلُهُ وَلاَ يُخْرَجُ، أَتُخْرِجُونَ رَجُلًا يُكْسِبُ المَعْدُومَ، وَيَصِلُ الرَّحِمَ، وَيَحْمِلُ الكَلَّ، وَيَقْرِي الضَّيْفَ، وَيُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الحَقِّ، فَأَنْفَذَتْ قُرَيْشٌ جِوَارَ ابْنِ الدَّغِنَةِ …”[2]
هذه الأخلاق الخمسة تمثل في الثقافة العربية دعائم وقواعد لمجتمع يوصف في كتاب الله بأنّه مجتمع جاهليّ، وهي في ذات الوقت تُعَدُّ من أهم الركائز الأخلاقية في هذا الدين (الإسلام)، وبرغم التضاد التام بين المجتمع الإسلاميّ الناشئ وبين المجتمع الجاهليّ المحيط به إحاطة البحر بجزيرة ملقاة وسط لججه، كانت هذه الجمل تمثل مساحات مشتركة، استطاع الرسول والمسلمون الأوائل استثمارها على أفضل ما يكون، فقد كانت من جهة مدخلا لكثير ممن اعتنقوا الإسلام مبكراً كخديجة؛ إذ لم تجد بين قومها من هو أعظم تمسكا بها من زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت من جهة أخرى ذريعة لتحقيق مكاسب دعوية وسياسية وأمنية كذلك، فقد كان يُخشى – بعد فشل رسوليّ قريش إلى النجاشي في استعادة مهاجري الحبشة – أن يتم تدويل المطلب على مستوى شيه الجزيرة العربية؛ مما قد يعجز معه النجاشيّ عن الثبات على موقفه، فكانت الخطة أن يخرج أبو بكر مهاجراً – وهو الذي لا يفارق رسول الله حتى تفارق العين حدقتها – بغرض توجيه ضربة إعلامية لقريش، يتم على إثرها تحييد قبائل العرب، وقد تمّ هذا الأمر على أكمل وجه، فها هي العرب تتسامع بخروج أبي بكر، ومِثْلُه لا يَخرج ولا يُخْرَج؛ لأنه يصل الرحم ويكسب المعدوم ويحمل الكل ويقري الضيف ويعين على نوائب الحق، وها هي قريش تبدو للعرب عارية السوأة؛ إذ ترتكب فعلا يعد عارا على العرب كافة؛ ثم ها هي القبائل كلها تقف على الحياد؛ تنظر ماذا عسى أن تنتهي المعركة بين قريش وبعض آبائها.
وإنّ بيننا نحن المسلمين وبين المجتمعات الغربية – وأقول المجتمعات لا الأنظمة المجرمة – مساحات مشتركة من هذا القبيل، أوسع بكثير مما كان بين المجتمع المسلم والمجتمع الجاهليّ في مكة، فالحريات وحقوق الإنسان وغيرها من المبادئ – وإن كانت لدى الأنظمة مهدرة – لا تزال لدى الشعوب راسخة راسية، وأحسب أنّه من الواجب علينا أن نقف معهم على هذه المساحات للانطلاق إلى كثير من المصالح المشروعة للجميع، فمن حقهم علينا أن تَبْلُغُهم دعوة الإسلام على وجهها الصحيح، ومن واجبنا نحوهم أن نأخذ بأيديهم إلى طريق الحق، ومن المصلحة أن نستثمر هذا المشترك في تعزيز مواقفنا ودفع ثورتنا للإمام، فلا ريب أن تفاعل الشعوب مع قضايا الحق يضع كثيرا من القيود والأغلال على الأنظمة التي تدعم الثورة المضادة؛ وهذه مصالح عليا لا يمكن إهدارها أو إهمالها لقاء مصالح موهومة أو مرجوحة يتوخاها الذين يرتجلون الخطا ويعتسفون الطريق.
إنّ القرآن الكريم هو الذي علمنا أولا كيف ندعو غيرنا إلى المساحات المشتركة للانطلاق منها إلى ما ندعو إليه من الحق والخير، فبرغم أنّ القرآن جاء مهيمناً على ما سبقه من الكتب؛ يُصَدِّق ما فيها من حق ويزيف ما طرأ عليها من تحريف: (وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) (المائدة 48)، برغم ذلك وجدناه يدعو المسلمين وأهل الكتاب إلى تحرير الجمل التي تمثل مساحة مشتركة؛ بغرض الوقوف عليها والانطلاق منها إلى ترشيد الحجاج وتوجيه الجدال، فأمر المسلمين أن يعلنوا إيمانهم بالقرآن وبكل ما أنزل على أنبياء بني إسرائيل قبل أن يحرف ويبدل.
(قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (البقرة 136) (قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) (آل عمران 84).
ودعا أهل الكتاب في المقابل إلى الرجوع إلى الثوابت التي لا يمكن لهم أن ينكروها ليقفوا مع المسلمين فوق الأرضية التي تصنعها هذه الثوابت: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) (آل عمران 64).
وهيأ الأجواء ولطفها بهذا بالتذكير والتقرير بأنّ دائرة النجاة والفلاح تتسع لتشمل المؤمنين من هذه الأمة كما تشمل المؤمنين من اليهود والنصارى والصابئين الذين قضوا قبل الإسلام ولم يتورطوا في التبديل والتحريف، والذين لم يعرضوا عن الإسلام بعد إذ جاءهم: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة 62) (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) (المائدة 69).
بل إنّ القرآن الكريم ليتخذ من بعض المشتركات مقدمات لإقامة الحجة على الخصوم، فتامل مثلاً: (قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)) (المؤمنون 84-89) (قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ) (يونس 31)، وأمثال ذلك في القرآن كثير.
وقد أسهم فقه استثمار المشتركات في صناعة فقه خاص بالتحالفات المؤثرة الفعالة، التي لا ينظر فيها إلى هوية المتحالفين بقدر ما ينظر إلى الأمور المتحالف عليها، وقد أشاد رسول الله صلى الله عليه وسلم بحلف وقع في الجاهلية: « لَقَدْ شَهِدْتُ فِي دَارِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُدْعَانَ حِلْفًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِيَ بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ، وَلَوْ أُدْعَى بِهِ فِي الإِسْلامِ لأَجَبْتُ »[3] وفي رواية « شَهِدْتُ حِلْفَ الْمُطَيَّبِينَ مَعَ عُمُومَتِي، وَأَنَا غُلَامٌ فَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي حُمْرَ النَّعَمِ، وَأَنِّي أَنْكُثُهُ »[4]، وقد كان حلفا لرفع الظلم ودفع العدوان وتحقيق العدالة.
وإذا كانت المشتركات بين المسلمين وغير المسلمين مثمرة ومنتجة إلى هذا الحدّ، وإذا كانت الواجبات التي تناط بها والمصالح التي تتحقق من خلالها على هذا المستوى من الأهمية؛ فكيف بالمساحات المشتركة بين فصائل أهل الحق والعدل من المسلمين، إنّ بين فصائل وطوائف ومذاهب وجماعات وأحزاب المسلمين أهل الحق والعدل مساحات مشتركة تكاد تلتهم المشهد كله، وإن ما بينها من موارد اختلاف واجتهاد تكاد لولا الهوى أن تذوب وسط المشتركات، ومع ذلك لم نفلح في رؤية هذه المساحات الشاسعة ولا في تجاوز نقاط الخلاف الضئيلة الضائعة.
إنّ الوحدة بين فصائل التيار الإسلامي، والتوحد في الميدان بينهم وبين سائر طوائف المسلمين أهل الحق والعدل والخير، والتنسيق بين هؤلاء جميعا وبين الثوار الأحرار من كل مذهب؛ واجب الوقت، وإنّ هذا الواجب الكبير لا يمكن أن يتحقق بدون تفعيل لإدارة الاختلاف وإدارة المشترك وإدارة التعدد؛ ليتحول الاختلاف إلى تنوع وتخصصية، وتتحول المشتركات إلى منصات انطلاق عامة يدور في فلكها أفكار تتفاعل وتتكامل، وتتحول التعددية إلى طاقات موجهة كل فيما يسره الله له، وإننا لعلى موعد مع النصر إن نحن تخلينا عن أهوائنا وحزبياتنا الضيقة وحساباتنا الشخصية الهابطة، وإن لم نفعل فنحن على موعد مع شيء آخر مخيف ومرعب: (وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ) (محمد 38) [5].
[1] صحيح البخاري (1/ 7)
[2] صحيح البخاري (3/ 98)
[3] رواه البيهقى في الكبرى ك الوصايا باب جماع أبواب تفريق الخمس برقم”12114″(ج18ص8636)
[4] رواه الإمام أحمد في المسند برقم”1589″(ج2ص791)