” … ولما جاء ترامب وقع مع السعودية وحدها 70 عقداً دفعة واحدة، ومنها عقد الشركة التي يسميها أهلها وليس أعداؤها (الشركة الشيطانية) وهي شركة (مونسانتو) للمبيدات الحشرية … ومن أكبر الشركات ذات الاستثمار في دول الخليج شركات التبغ، وهي تجارة مربحة للغرب مدمرة للمسلمين صحياً ومادياً، وقد نشرت اليمامة السعودية أنّ بريطانيا تبيع من السجائر للسعودية بكذا مليار فكيف بالأمريكية” صـــ 1616.
هذه السطور وردت مقحمة في سياق الحديث عن المناهج العلمية بين الحضارة الغربية والإسلام، وإنَّه لعجيب ومدهش شأن هذا الرجل؛ إنَّك لتراه دائم الرجوع إلى واقع الخليجيين ولا سيما آل سعود، وإنَّك لتعجب من حيله التي يقطع به سياقات الموضوعات المختلفة ليعود ويستطرد في بيان معايب هؤلاء القوم، فلا تجد مبرراً إلا القول بأنَّها قضيته ورسالته التي نذر لها ما بقي من حياته ووقته ومهجته، وهكذا أصحاب القضية في كل زمان، وإنَّها والله لقضية كبرى أن يعالج الناس من أدواء الثقة بحكام لا هم لهم إلا القضاء على كل ما هو من حقوق شعوبهم وعلى رأسها حقهم في عبادة ربهم وإحياء شعائر وشرائع إسلامهم، ولسوف يسجل التاريخ موقفه هذا كما سجل للأئمة المجددين، ونسأل الله له الثبات والنجاة.
والموضوع الذي يعالجه في هذا الفصل هو موضوع المناهج العلمية بين الغرب والإسلام، ويبدأ بتقرير حقيقة غاية في الأهمية، وهي أنّ المناهج التي بنى عليها الغرب حضارتهم سبق إليها الإسلام، فقبل أن يضع (بيكون) المنهج التجريبي كان الإسلام هو الواضع له والمقرر لأحكامه، ولقد أحسن الرجل في هذا وأجاد، ربما يؤخذ عليه فقط أنَّه أكثر الرجوع إلى درء تعارض العقل والنقل لشيخ الإسلام ابن تيمية، وليس هذا في ذات مأخذ وإنما يتمثل المأخذ في إغفاله – دون عمد طبعاً – كثيراً من العقول المبدعة والنماذج الفذة كابن خلدون الذي علم الدنيا علوم الاجتماع والإنسانيات قبل بزوغ الفكر الغربيّ.
ولكن سرعان ما يغلب على الرجل همّه؛ فبعد جولة وُفِّق فيها توفيقا كبيرا في كشف عورات المجتمعات الغربية؛ بما يعد منافيا للسلوك الحضاري والقيم الحضارية، وبعد أن ذكر جملة من صفات المحافظين الجدد؛ بما يبعث على توخي الحذر من مؤامراتهم وأضغانهم العنصرية المتطرفة، بعد هاتين الجولتين ينثني ليهيل على أنظمة الخليج بما فيها آل سعود التراب ويعفر به وجوههم؛ عن طريق الكشف عن خبائث حليفهم الأكبر الذي يدبر بليل وهم يتجاهلون ويتغابون، فيقول بلغة الفقيه المرشد: “ويحرم التعامل معها – أي أمريكا – وإطلاق يدها في البحار والخلجان والممرات المائية الإسلامية، ويبدأ ذلك بمقاطعة صناعاتها وحظر شركاتها، ومنع استقدام أي أمريكي للعمل في بلاد المسلمين … ويمدون جسور التعاون مع الربيع الأمريكي نفسه، لاسيما إذا دخل في مرحلة العصيان المدنيّ” صــــ 1627
وعن مميزات المنهج المعرفيّ الإسلاميّ يتحدث فيبدع ويتوسع فيشفي ويغني، فهو يتميز بالعقيدة الصحيحة السوية، وبالسعة والشمول، وبالعمق التشريعي والعقدي والتأصيلي، وبالعدل في إصدار الأحكام وإبداء الآراء، وبالحرية في الرأي والتفكير والاجتهاد، وبقيامه على البرهنة وبراءته من المكابرة، وبحسن التعامل مع المحكمات والمتشابهات؛ برد المحكم للمتشابه، وبفقه الأولويات، وغير ذلك من عشرات الميزات التي أسهب في سرده واستطرد في التدليل عليها، وإنَّه لمن الممتع أن تعرج عليها في المبحث الذي خصصه للحديث عن مزايا المنهج المعرفي الإسلاميّ.
وفي لفتة سريعة يضع الشيخ الأمور في نصابها فيما يتعلق بالنقد المادي لدى الغرب؛ فليست العلوم مهما بلغ نفعها المادي بذات قيمة إذا ألحقت الضرر بالإنسان، فهناك علوم نافعه استعملت في الضرر البالغ بالإنسان، يقول: “وهكذا كل علم يتجرد عن تقوى الله وخوفه يصبح وبالا ودمارا، قال الدكتور عبد الوهاب المسيري رحمه الله: حين سألت العالم الألمانيّ الأمريكيّ (فرانز أوبنهايمر) الذي ساهم في اكتشاف القنبلة النووية والذي ندم بعد إلقائها كانت إجابته قصيرة دالة: (لقد تقيأت) … ولما وجه بعضهم السؤال نفسه إلى زميله الألمانيّ الأمريكي (ألبرت أينشتين) قال: (تمنيت أني كنت إسكافيا ولم أكن فيزيائياً) فقارن حال هذين المسكينين بالعلم الذي خلفه علماء الإسلام ولم يندموا عليه قط، بل هو من عملهم الذي لا ينقطع بموتهم” صـــ 1650
وفي نهاية هذا الفصل وقبل أن يلج إلى فصل الفلسفة قام بترجمة لبعض الأعلام، تمنيت أن لو تطرق فيها إلى تراجم لبعض علماء الفيزياء والكيمياء والطب وغيرها من العلوم الكونية؛ فليته فعل! ( *).