“ومن المعلوم أن دونالد ترامب ينتمي للكنيسة الإنجيلية (الفرع المشيخي) ولكن الكنيسة تبرأت منه؛ فمتى يتبرأ منه المسلمون؟!” صــ 1111 وردت هذه العبارة في سياق حديث الشيخ عن الحاكم الذي يوالي أعداء الله، والذي يؤكد فيه أنه لا يكون مسلماً، ولا يكون بنظر الشرع حكماً شرعياً، ولا يحرم الخروج عليه، ويبدو فيه أنّه يسقطه على آل سعود، وجاءت هذه العبارة في السياق كمثال عمليٌّ لما يتحدث عنه، ووفق السياق تُفهم كلمة “المسلمون” بمعنى: الذين يفترض أنهم مسلمون، وقد لاحظت أن الشيخ ينتهج هذه الطريقة كثيراً؛ بما قد يبدو للمتعجل أنَّ كلامه في قدر من التناقض.
ويبدو لي أنَّ الشيخ كان – لمرضه – يُملي وأن أحداً كان يكتب عنه، هذا ما بدا لي من خلال قراءتي على سبيل التوقع، وبهذا أفسر عدم التماسك في بعض السياقات، لكنه لا يصل إلى حدِّ التناقض والاختلال؛ لأنَّ الشيخ مستقيم في فكره وصريح في عرضه، ومن أمثلة ذلك أنَّه – لأمانته العلمية – استطرد ليعلق على عبارة “إلا أن تروا كفرا بواحاً عندكم فيه من الله برهان” الواردة في حديث عبادة بن الصامت مرفوعاً: ” …. وألا ننازع الأمر أهله … ” فهو يرى أنها من كلام عبادة رضي الله عنه، والمتابع لكلامه يظن أنَّ سياق الفكرة اضطرب، لكنه يعود ليرد الفكرة إلى ما يراه أمكن من هذه العبارة وهي كلمة: “أهله” والذين يعنيهم – بطبيعة الحال – ليسوا من “أهله”، ومما يؤكد ذلك أنَّه أنحى باللائمة على المداخلة والجامية وختم بقوله: “وليس في التاريخ الإسلاميّ قط من جعل المعيار بين أهل السنة والجماعة وأهل البدع والأهواء هو طاعة السلاطين وتسميتهم ولاة أمر” صـــ 1117
وبهذه المناسبة أحب أن أعرض باختصار ما قرره أهل السنة في مسألة الخروج على الحاكم، وقد وجدت كلام الشيخ في جملته لا يخرج عمَّا قرره علماء أهل السنة، والمسألة بإيجاز شديد كالتالي:
الخروج على الحكام في الفقه الإسلاميِّ ينقسم – من حيث المحكوم عليه – إلى ثلاثة أقسام، حكم الخروج على الحاكم المسلم العادل المقيم لكتاب الله، وحكم الخروج على الحاكم الكافر أو الذي ظهر في حكمه الكفر البواح، وحكم الخروج على الحاكم الفاسق أوالجائر. وينقسم من حيث درجة الحكم إلى متفق عليه ومختلف فيه، فأما الأخير فمختلف فيه، وأما الأول والثاني فمتفق عليهما.
فأمَّا الخروج على الحاكم العادل المقيم لكتاب الله، فقد أجمع العلماء على أن الحاكم إذا كان مسلماً عادلاً مقيماً لكتاب الله لم يجز الخروج عليه بحال؛ وقد نقل الإجماع على ذلك غير واحد من العلماء منهم النووي ( شرح النووي على صحيح مسلم 8/35 )؛ فإن اختلفت فئة مع الحاكم الشرعي العادل في شئ فعليهم النصح والمشورة، ولكن لا يخرجون عليه لمجرد كراهيتهم لبعض ما يأتي، فعن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعاً: ” من رأى من أميره شيئاً يكرهه فليصبر ، فإنه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلا مات ميتة جاهلية ” البخاري 9/59 ، 9/78 ، مسلم 6/21 ، أحمد 1/275 ، 297 ، 310 ، الدارمي 2522
وأمَّا الخروج على الحاكم الكافر أو الذي ظهر في حكمه الكفر البواح، فقد أجمع العلماء على مشروعية الخروج عليه، وقد نقل الإجماع غير واحد من العلماء منهم ابن حجر والنووي، وقد نص القاضي عياض على وجوب القيام على الحاكم إذا طرأ عليه كفر شرح النووي لمسلم 12/229، وقال ابن حجر: “ينعزل بالكفر إجماعاً فيجب على كل مسلم القيام في ذلك”. فتح الباري 13/133
وأمَّا حكم الخروج على الحاكم الفاسق أو الجائر؛ فقد اختلف العلماء في حكم الخروج عليه، وهو الذي لم يأت بما يستوجب خلعه مما سبق بيانه ولكنه في نفسه فاسق أو جائر، فهو لا يدعو للفسق ولا يستحله ولا يحمل المجتمع عليه بأيّ طريقة ولكنه في قصره وفي حياته الخاصة فاسق، ويجور في الأحكام والقضايا الجزئية دون أن يعتمد التبديل لشرع الله منهجاً له، فهل هذا يشرع الخروج عليه أم لا، هذا موضع الخلاف، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال : القول الأول : عدم جواز الخروج على أئمة الجور، وهو مذهب جمهور أهل السنة والجماعة، والقول الثاني : وجوب الخروج على أئمة الجور : وهو مذهب طوائف من أهل السنة ، وبعض الأشاعرة ، والمعتزلة والخوارج والزيدية وكثير من المرجئة مقالات الإسلاميين 2/150 ، 204 . والقول الثالث : أن الخروج على أئمة الجور جائز ( وليس بواجب )، وهذا القول أشار إليه صديق حسن خان القنوجي البخاري في الروضة الندية ( 2/778 ) (*).