مع ان الفرائض الإسلامية يسر لا حرج فيها وهينة لا مشقة فيها إلا أن رحمة الله تعالى اقتضت لأهل الأعذار رخصا ترفع عنه الحرج الذي يسببه فلا تكاد توجد فريضة في الشريعة الإسلامية إلا وقد تخللتها الرخص الفيحاء.
وهذه نماذج متفرقة:
1- جعل الله تعالى للمسافر- مراعاة لظروف سفره- رخصا تخفف عنه بعض ما يتحمله من مشاق السفر النفسية والبدنية، منها:
• قصر الصلاة الرباعية: فللمسافر مسافة تُعَدُّ في العُرف سفرا أن يقصر الصلاة الرباعية – الظهر والعصر و العشاء- فيصليها ركعتين فقط، ما لم يكن مؤتما بإمام نوى الإتمام. وعند كثير من العلماء له هذه الرخصة سواء نوى الإقامة في سفره أو لم ينو وسواء طالت مدة الإقامة أو قصرت والمسألة في شعبها تفصيل يُطلب من كتب الفقه. المهم أنها رخصة ثابتة قال تعالى ﴿ وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوًّا مُبِينًا ﴾ [1].
وعن عائشة أم المؤمنين رضى الله عنها قالت ” قد فرضت الصلاة ركعتين ركعتين بمكة، فلما قدم رسول الله – صلى الله عليه وسلم – المدينة زاد مع كل ركعة ركعتين إلا المغرب فإنها وتر النهار، وصلاة الفجر لطول قراءتها، وكان إذا سافر صلى الصلاة الأولى”[2].
ولم يختلف الأئمة في أصل هذه الرخصة وإنما اختلفوا في حكم الأخذ بها فقال قوم بوجوب الأخذ بها وقال آخرون بالاستحباب وقال الحنابلة بالجواز:
• الجمع: فللمسافر مسافة القصر أن يجمع الظهر مع العصر والمغرب مع العشاء. والراجح أن رخصة الجمع هذه تكون للمسافر الذي أجمع السير بخلاف المسافر المقيم في سفر. والجمهور على أن المسافر له أن يقصر ويجمه ولو لم ينو قبل سفره القصر أو الجمع. وهناك خلافات قليلة في فروع هذه الرخصة إلا أن ثبوتها لا شك في عن معاذ بن جبل رضى الله عنه قال ” كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم – في غزوة تبوك إذا زاغت الشمس- أي زالت ومالت قليلا عن وضع الاستواء والعامد- قبل أن يرتح بين الظهر والعصر، وإذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر حتى ينزل العصر، وفي المغرب مثل ذلك: إن غابت الشمس قبل أن يرتحل الجمع بين المغرب والعشاء وإن ارتحل قبل أن تغيب الشمس آخر المغرب حتى ينزل العشاء”[3].
• ويرخص للمسافر – عند كثير من اهل العلم- أن يصلي الجمعة ظهرا ودليل عندهم فعل الرسول عليه السلام.
• ومن رخص السفر أيضا- وإن كان يشترط فيها أن يكون مع السفر حرب وخوف – صلاة الخوف أو صلاة الحرب المشروعة بالكتاب والسنة. قال تعالى: ﴿ وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ ﴾[4].
والتطبيق العملي لهذه الآية أخذ في السنة صورًا ستة تختلف بحسب اختلاف أوضاع المواجهة مع الأعداء وهذه الكيفيات مفصلة في كتب الفقه، فإذا احتدم القتال صلى المقاتلون إيماءً وهو ماضون في قتالهم.
• صلاة التطوع: قال كثير من أهل العلم لا بأس بتركها في السفر، هذا بالإضافة إلى أنه يجوز أن تصلي على الرحالة- أو أي مركبة- فيصليها المسافر وهو جالس على راحلته ويومئ برأسه في الركوع والسجود، ولا يضره تحول راحلته عن القبلة.
• رخصة الإفطار: فللمسافر مسافة تقصر فيها الصلاة أن يفطر ثم يقضي عدد الأيام التي أفطرها في سفره. والصيام في حقه أولى ما لم تترتب عليه مضرة بالغة ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ﴾[5].
2- جعل الله تبارك وتعالى للمريض رخصًا كثيرة لتستوعب كل احتمالات المرض.
فمنها:
• صلاة المريض: إذا لم يستطع المريض أن يصلي قائما فله أن يصلي جالسا فإن لم يستطع صلى على جنبه الأيمن ووجهه للقبلة ويكون ركوعه إيماًء بالرأس وسجوده إيماءً أخفض منه.
• روى الجماعة عن عمران بن حصين قال” كانت بني بواسير فسألت النبي – صلى الله عليه وسلم – عن الصلاة فقال” صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنبك” وزاد النسائي ” فإن لم تستطع فمستلقيا”[6].
• وللمريض رخصة في الفطر في رمضان إن كان الصوم يضره ويعرف الضرر بغلبة الظن أو بشهادة طبيب مسلم – فإن كان مرضه يرجى برؤه فعليه القضاء وإلا فعليه الفدية كالشيخ الهرم وقدرها طعمة مسكين عن كل يوم أفطره ﴿ أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [7].
• للمريض أن يستنيب من يحج عنه من ماله.
• لا حرج على المريض ان يتخلف عن الجهاد ﴿ لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ ﴾[8].
3- وفي الطهارة رخص لأهل الأعذار: فقد طعمها الشارع بالرخص التي ترفع الحرج وترفع الوسواس.
فمن هذه الرخص:
• من كان به عذر من سلس أو انفلات ريح أو ما شابه ذلك فله أن يتوضأ لكل صلاة ثم لا يضره ما خرج منه أثناء الصلاة غير أنه لا يؤم الناس.
• المستحاضة (التي ينزل منها دم غير دم الحيض والنفاس كالنزيف مثلاً) فهذه تغسل فرجها وتضع عليه خرقة طاهرة ثم تتوضأ وتصلي ولا يضرها ا نزل منها أثناء الصلاة ولا غسل عليها غير أنها تتوضأ لكل صلاة.
• لا غسل على من نزل منه المني بغير شهوة كأن ينزل بسبب المرض أو الرطوبة ويكفيه الوضوء.
• لا غسل في المذي وإنما يكفي منه الوضوء بعد غسل الذكر، ويكفي في الثوب الذي أصابه مذي أن ينضخ.
• من لم يجد الماء أو لم يقدر على استعماله تيمم بالتراب الطاهر ﴿ وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا ﴾[9].
• يصح السمح على الجبيرة والعصابة عند الوضوء أو الغسل إذا كان في خلعهما مضرة.
• يجوز السمح على الخفين أو الجوربين يوما في الحضر وثلاثة أيام في اسفر بشرط مفصلة في كتب الفقه.
• طهور الأرض يبسها، أو إراقة الماء عليها بعد إزالة النجاسة العينية الظاهرة.
• طهور النعل أن يحك بالأرض الطاهرة.
• جعلت الأرض لأمة الإسلام مسجدا طهورا.
• هذه النماذج المتفرقة ليست للحصر وإنما للتمثيل فقط. والمهم أن هذه الرخص وغيرها عظيك من مظاهر اليسر والتخفيف والرحمة في هذا الدين العظيم.
[1] النساء 101.
[2] رواه أحمد وغيره.
[3] رواه أبو داود والترمذي وقال الترمذي حسن صحيح.
[4] النساء 102.
[5] البقرة 184.
[6] رواه الجماعة الا مسلما.
[7] البقرة 184.
[8] الفتح 17.
[9] المائدة 6.