الحمد لله .. والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد ..
لم يفهم الإعلام المصري الرسالة؛ لأنّه لا يفهم ولا يريد أن يفهم، الرسالة هي أنّ الشعوب العربية أمّة واحدة، سبيلها واحد وغايتها واحدة وقضيتها واحدة؛ لذلك فإنّ عدوها واحد، عدوها الطاغية أيّاً كانت هويته “العقارية”؛ لم يستوعب الإعلامي عمرو أديب هتاف الجماهير التونسية ضد السيسي ليلة نجاح تونس في اجتياز انتخابات الرئاسة بفوز يلبي طموحات الثورة وآمال الأمة؛ فانطلق يتعجب ويبث في الأثير علامات التعجب بكافة أدوات البثّ في طلّته المريبة وطلعته الكئيبة.
إنّها لظاهرة – رغم لفتها للأنظار – طبيعية وغاية في البساطة والتلقائية، أن تهتف الجماهير ضد السيسي في بلاد عربية شتى، هذا هو برهان كونها أمّة واحدة، لم تستطع “سايكس بيكو” أن تفرقها أو تمزقها، أمة واحدة في سرائها وضرائها، الظلم والطغيان الذي يمارس ضدها مصدره واحد، والثورة المضادة التي التفَّت على ثورتها خرجت من جحر واحد، وقبل ذلك ثورتها ونضالها ضد كل محتل وكل طاغية واحد، لا تنظر للاحتلال الانجليزي إلا بالعين التي تنظر بها للاحتلال الفرنسي والإيطالي والأسباني، ولا ترى فرقا بين مصطفى كامل وعمر المختار وعبد القادر الجزائري إلا كما ترى الشمس تشرق على مصر ثم على ليبيا ثم على الجزائر، وجميع الطغاة الذين حكموها في جميع أقطار العرب هم في نظرها وحسّها أخطابوت واحد تفرعت أذرعه وتمددت في طول بلاد العرب وعرضها؛ فَلِمَ العَجَبُ يا من لا ينقضي من أحوالكم العَجَب؟!
وليس غريباً أن تهتف جموع الجماهير الهادرة في المغرب العربيّ كله ضد السيسي ثم يراها عمرو أديب “ممؤامرة إخوانية”، ليس غريباً ولا عجيباً؛ لأنّ الشذوذ في الفكر والنشاز في القول هو الوضع الطبيعيّ للإعلام المصريّ المنبطح للنظام، لقد صار مألوفاً ثم صار مملولا وممجوجاً أن يصنع الإعلام للناس عدواً من وحي الخيال؛ تُعَلّق عليه تبيرات العاجزين وتعللات العابثين، إنّ الإخوان ليسوا ذلك التنين المرعب الذي يطل برؤوسه في قارات العالم الست، وإنّ البشرية قد بلغت رشدها وفُطِمت عن تناول مثل هذه الترهات الفارغة وابتلاعها؛ فلا أثر لذلك الذي يروجونه إلا المزيد من الاستهجان، والمزيد من التساؤلات المفرطة في إلحاحها: لماذا تهتف جموع الجماهير في طول البلاد العربية وعرضها ضد السيسي، ولماذا تُصِرُّ كلها على وصفه بأنه: “عدو الله”؟!
هذا هو الذي يجب أن يبحث فيه الباحثون ويتكلم في الإعلاميون، ما الذي فعله السيسي حتى تُجْمِع الشعوب في بلاد عربية عديدة على هتاف واحد: “لا إله إلا الله محمد رسول الله والسيسي عدو الله”؟! لا ريب أنّ الشعوب ترى أنّ بقاء السيسي واستمراره خطر على هذه الكلمة التي وصفت في القرآن بأنها الكلمة الطيبة، في قول الله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) (إبراهيم 24)، فالكلمة الطيبة هي لا إله إلا الله (الوجيز للواحدي: 581)، وعندما تَذْكُر الشعوب السيسي مع هذه الكلمة مقرونا بوصف العداوة فهذا يعني أنّ وجوده وبقاءه واستمراره خطر عليها.
وإنّه لكذلك حقاً، وما قالت الشعوب إلا الحق ولا نطقت إلا بالصدق، فهو عدو الله حقاً ولو صلى وصام وزعم أنّه مسلم؛ وماذا يمكن أن يكون – إن لم يكن عدواً لله – رجل انتهك كل حقوق الإنسان التي قررتها شريعة الرحمن، فقتل وسجن وعذب وسحل، وصادر الأقلام والحناجر، وفرض على البلاد والعباد طوقا من القهر والفقر؛ حتى صارت مصر كلها – سهلها ووعرها وبرها وبحرها وأرضها وسماءها – سجنا كبيرا لكل الذين يحلو أن يناديهم – وكأنّه ليس منهم! – بقوله: (يا مصريين).
ومَنْ على وَجْه البسيطة – على سعتها وكثرة من يدب عليها من الطغاة – أحقّ بهذا الوصف من رجل كان بانقلابه سبباً في الانقلاب على ربيع الشعوب العربية كلها؛ وفي رجوع الأمة من عنق الزجاجة لتستقر في قعرها يائسة بائسة، بعد أن كان بينها وبين الخلاص نفخة أو دفعه أو أيسر منهما، فأعطى قبلة الحياة لبشار، وأخرج من تحت التراب حفتر، ورقص كغراب البين لأعراب الجزيرة لتهب عاصفة الفتنة فتدمر اليمن الذي كان سعيدا، وتجعل عامره خرابا وزارعه يبابا.
وهل يمكن أن يكون الرئيس الذي يضيع شعبه عن عمد، ويذل رعيته عن قصد، ويهدر مقررات البلاد ومقدرات العباد دون مبالاة أو اكتراث، ويرفع كل شاذ وضيع ويخفض كل شريف رفيع، ويَصِل الليل بالنهار باذلاً أقصى طاقته ومُنْتَهى وُسْعَهُ في تمهيد البلاد – التي اؤتمن عليها وأقسم على حمايتها – للتقسيم والضياع، ولا يألوا جهدا في خدمة كل عدو لدين الله مُشَرِّقا كان في كفره أو مُغَرِّباً، ولا يدع لله عدوا إلا قربه وأعزّه، ولا وليا أقصاه وأذله، ولا يترك للإسلام مصلحة إلا أهدرها ولا مفسدة إلا حصلها؛ هل يمكن أن يكون هذا إلا عدواً لله؟ ففيم الانزعاج من هتاف الشعوب!!
دعوا الشعوب تنزل الشوارع ثم تعلموا منها، فإنّ الشارع ملهم، ومصدر الإلهام أنّه طريق الإحياء، لأنّ الله ندب الأمّة إلى ما وصفه بأنّه يحييها، وهو السعي والعمل للإسلام والمسلمين، والانطلاق بالجهاد والكفاح أمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر واحتساباً على الظالمين، فقال عزّ وجلّ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25) وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26)) (الأنفال 24-26).
دعوا الشعوب العربية تهتف بما تمليه عليها فطرتها السوية، وإن كنتم تعشقون التحليق في سماء الحرية والكرامة فاهتفوا معها: (لا إله إلا الله .. محمد رسول الله .. والسيسي عدو الله).