هذه الأمة كالماء؛ يبقى عذبا ما جرى وتدفق، وهو في جريانه وتدفقه لا يضره ما علاه من الزبد، لذلك كان المثل الذي ضربه القرآن بالغا حد الاعجاز: (فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض).
لذلك لا ننزعج عندما نرى كثيرا ممن كان الناس يثقون بهم يتساقطون في الفتنة تساقط الفراش الهائم في النار المتأججة، ولم يكن عائض أولهم ولن يكون آخرهم؛ فسنة الله مضت بأنه: (ما كان الله ليذر المؤمنين على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب).
لكن الأمر المزعج هو التعاطي مع الأحداث والحالات، فبعضنا يصاب بالإحباط ويستسلم لليأس؛ ولو أصيب الجيل الأول بما أصيب به البعض منا لما خرج الإسلام من الحجاز ولا جاوز مده القرن الهجري الأول، فلقد ارتد الناس كلهم عن الإسلام بوفاة رسول الله الا أهل المسجدين، ولولا أن الله سلم للحق بهم أهل مكة، حتى صار الصحابة غرباء أذلاء، كغنيمات مطيرة في ليلة شاتية حالكة الظلمة.
والبعض الآخر لضيق عطنه يتخذها ذريعة لتفريغ شحنات من المشاعر السلبية في وجه الآخرين؛ فيقوم بتوسيع دائرة الاتهام لتشمل شرائح من الأمة وتطال أطراف عديدة لا علاقة لها بمن سقط ولا صلة لها بمن افتتن.
كهذا الذي راح يحلل ويدرس الظاهرة – وقد كان قبل الانقلاب وبعده من بائعي الأوهام على صفحته- لينتهي إلى هذه النتيجة: (ان قلت لي هناك سلفيين وقفوا في رابعة .. أقول: هذا هو موقف جيد، ولكن لا ينفي ان السلفية بصورتها المنحرفة فكرة ضالة و بدعة منكرة .. حتي من استشهد منهم في رابعة أو النهضة فهو كان علي بدعة و ضلال)!!
لن ادافع عن السلفية ولن اهاجم الاخوان؛ فهؤلاء إخواني وهؤلاء اخواني، ولن ادافع عن شهداء رابعة؛ لأنهم جميعا -سلفيين وإخوان واسلاميين وعاميين- سادتنا؛ والله وحده هو الذي يتولى الدفاع عنهم والذب عن عرضهم.
اما الذي يستحق أن نحميه هو هذا الجيل الذي صنعته رابعة على عين الله تعالى؛ فنشأ على تجربة للوحدة بالغة الروعة والعظمة، حيث لم يكن هناك فرق – إذ تحصد يد الغدر كل المخلصين- بين سلفي واخواني وعامي وليبرالي.
هذا الجيل عاش تجربة الوحدة التي لم يصنعها أحد منا ولم يسع اليها، بل صنعتها يد العناية الالهية، وإذا كان الشباب من الاخوان قد سكتوا عن الرد على من نال من احبابهم- ونحن نعلم ما الذي يسكتهم- فإننا على يقين أنهم في قرارة أنفسهم يعظمون الشهداء كافة ويمدون جسور المحبة والأخوة مع إخوانهم الشباب من كافة التيارات.
فليعلم الجميع أن الوحدة الإسلامية قادمة وأنها لن تستجدي هؤلاء العنصريين، وان تيارها سيجرف في طريقه كل العقابيل وسيذهب الزبد جفاء ليبقى ما ينفع الناس ناصعا لامعا.