صرح الحق تعالى بإباحة النطق بكلمة الكفر عند الإكراه الملجء فقال ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [1].
وصرح بإباحة أكل الميتة وغيرها من الخبائث الملجئة فقال ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ﴾[2].
وإن هذين التصريحين الربانيين وضع العلماء قاعدة أصولية عامة تتفق مع المقاصد العامة للشريعة الإسلامية وتنسق مع قواعدها وأصولها، وهي قاعدة (الضرورات تبيح المحظورات) هذه القاعدة التي تبيح المحظور عند الضرورة الشديدة التي تلجئ الإنسان الى ركوب المحظور.
ويتفرع عن هذه القعدة ما أباحه القرآن بصريح القول من جريان كلمة الكفر على اللسان عند الإكراه الشديد وإباحة أكل الميتة وغيرها م الخبائث عن الضرورة التي يتعرض الإنسان بسببها للهلكة او المضرة الشديدة كما يتفرع عنها كثير من المسائل التي لا تنحصر ولكنها تضبط بهذه القاعدة الواسعة مثل إباحة الأكل من مال الغير عند التعرض للهلكة.
غير أن هذه القاعدة الشريفة يضبطها الفقهاء بضابطين أساسيين:
الاول: أن تكون الضرورة ملجئة وحقيقية ومعتبرة فليس كل ما يعرض للإنسان يمكن أن يكون ضرورة، ومن اتبع هواه اعتبر كل ما يخالف هذا الهوى ضرورة وهذا معنى قوله تعالى ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[3].
الثاني: أن الضرورة تقدر بقدرها، أي أن إباحة المحظور للضرورة يكون بقدر ما يدفع هذه الضرورة بلا زيادة وهذا معنى قوله تعالى ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾[4].
بالإضافة إلى الشرط الأساسي وهو اطمئنان القلب والإيمان والطاعة وعدم انشراحه بالكفر أو المعصية وعدم ميله إلى الإثم. ويفهم هذا الشرط الأصيل من قوله تعالى (وقلبه مطمئن بالإيمان) وقوله تعالى (غير متجانف لإثم) أي غير مائل لإثم.
وعنما تأتى هذه القاعدة لترفع الحرج وتدفع المشقة عن المعذور يتجلى اليسر في صورته الناصعة بلا غبس ولا دخن.
[1] النحل 106.
[2] المائدة 3.
[3] النحل 115.
[4] النحل 115.