بالحسنات والسيئات يوزن الناس عند الله تعالى يوم القيامة.
وبهما يفرق بين السعداء والأشقياء.
ولقد وكل الله بكل إنسان ملكين من الكرام الكاتبين، فهما يكتبان بلا ملل، ويحصيان بلا فتور، ويرصدان كل حركة وسكنة، ويسجلان مثاقيل الذر من الخير والشر. حتى إذا كان يوم القيامة أخرج لكل إنسان كتابه الجامع لحسناته وسيئاته.
﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [1].
﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ ﴾ [2].
إلا أن الله تعالى – برحمته وحكمته وكمال حلمه وعفوه – يتعامل مع السيئات بعدله ويتعامل مع الحسنات بفضله. فجزاء السيئة بمثلها بلا زيادة و أما الحسنة فهي تضاعف إلى عشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة وخير كثير ورزق بغير حساب.
هذا هو الأصل الذى يقرره القرآن أولاً، فأينما ذكرت الحسنة مع السيئة في آية واحدة في معرض بيان الجزاء وجدت هذا الاصل متقررًا، على تنوع في التعبير.
قال تعالى ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾ [3].
وقال تعالى ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَمَن جَاء بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئَاتِ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [4].
وقال ﴿ مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِّنْهَا وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ﴾ [5].
وقال ﴿ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ ﴾ [6].
والسنة أيضاً تؤكد هذا المعنى وتفصله تفصلاً.
فلا تكون الحسنة بمثلها إلا إذا حُصرت في دائرة الهم والعزم والنية الصادقة بمانع خارج عن إرادة الإنسان، أما إذا قدر لها الخروج من هذه الدائرة إلى حيز العمل والتنفيذ فلا بد أن تضاعف، إما إلى عشر حسنات وإما إلى سبعمائة ضعف وإما إلى أضعاف أكثر من ذلك. وهذا التفاوت بحسب النية وشرف العمل ومدى تحقق المصلحة منه ومدى حاجة الأمة إليه.
أما السيئة فلا تكتب إلا سيئة واحدة – على اختلاف بين الكبيرة والصغيرة – ولا تكتب مطلقاً إلا إذا وقعت بالفعل، أما إذا حبست في حيز الهم والعزم ثم رجع عنها صاحبها بإرادته وقصده كتبت حسنة كاملة. وهذا هو المعنى الموجز للحديث المتفق عليه والذى رواه البخاري ومسلم بحروف واحدة.
” إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك. فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة. وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة ” [7]
هذا هو الأصل في الحسنات والسيئات.
ولا يشذ عنه هذا الأصل إلا حالات نادرة في أطر ضيقة ولأسباب تتعلق بها.
فقد تضاعفت السيئة لشرف المكان الذى ارتكبت فيه أو لشرف الزمان الذى فعلت فيه أو لشرف الفاعل واقتداء الناس به كمن سرق في الحرم، أو زنى في نهار رمضان، أو كان إماما يقتدى به فأكل الربا أو أخذ الرشوة. فمضاعفة السيئة في مثل هذه الحالات ليس لذاتها وإنما السبب ما تلبس بها أو تتعلق بها. أما الأصل فإنها لا تضاعف، والمضاعفة للحسنات.
إن هذا لهو فضل الله تعالى، وإنها لرحمة الله الواسعة ﴿ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ﴾ [8]
[1] ق 17-18.
[2] الزلزلة 7-8.
[3] الانعام 160.
[4] القصص 84.
[5] النمل 89.
[6] غافر 40.
[7] رواه البخاري ومسلم.
[8] الأعراف 156.