لماذا لا يفعلون مثلما فعل الكثيرون؟ لماذا لا يفرجون عن المعتقلين؟ الا يخشون كارثة إنسانية تحل بهم؟! أم إنهم لا يعينهم الإنسان ولا المواطن؟! أغلب الظن أنهم يقصدون ويتعمدون الإبقاء عليهم توسعا في الإعدام الذي يمارسونه بشتى الوسائل ضد فئة من الشعب هي قلبه النابض.
إن أحكام الإعدام التي تصدر منهم تجاه شباب في الذؤابة من شعب مصر هي جزء من عملية لا أجد لها وصفا الا انها إعدام وطن برمته.
فإذا كانوا بالأمس قد أعدموهم بالأحكام القضائية الجائرة وبالملاحقة والتصفية في الشوارع والبيوت والصحاري والمدن فإنهم اليوم يمارسون الإعدام في حقهم بتعمد الإبقاء عليهم في ظل انتشار وباء كورونا، وإذا كان الشعب المصري كله في خطر بسبب التكتم وعدم الشفافية فكيف بالمحبوسين بين جدران الزنازين؟
وليست معاناة الوطن منحصرة في أحكام الإعدام وما يقاربها من أحكام وحسب؛ فبالرغم من أن تلك الأحكام الجائرة تسلب الشباب حرياتهم وأعمارهم وتحرم الوطن من فلذات أكباده ومن أخلص وأطهر ما أنبتت أرضه وأظلت سماؤه؛ فإن المصاب الأكبر هو أن هذه الأحكام بما فيها أحكام الإعدام تأتي في سياق الإعدام للوطن ذاته.
وما قيمة الوطن بغير حياة كريمة للمواطنين؟! وبغير حرية حقيقية يستنشقون عبقها ممزوجا بنسيمه العليل! وبغير حقوق آدمية مضمونة ومصونة تحت ظله الظليل! وبغير احترام أو تقدير لمصالح الشعب في حاضر أيامه ومستقبل أحلامه!
إن المواطن المصري يحيا حياة ليس بينها وبين الموت إلا تلك الأنفاس الحارة المحملة بالهموم والهواجس، وتلك الدقات المتهافتة لقلوب مفعمة بعشق الموت وانتظار الخلاص، وما ذاك إلا لأنه لا يرى في غده سلوى عن حاضره الذي صار مظلما مغلقا ليس فيه شعاع من أمل للبقاء ولا ثقب إبرة للفكاك والنجاء.
إنها المرة الأولى في حياة مصر يشعر فيها المواطن أن النظام الذي يحكمه قد قطع عن عمد شريان الحياة له ولوطنه مصر؛ لو كانت مصر تعلم أن أحد أبنائها سيقدم بنفسه على التوقيع على اتفاقية تحرمها من عماد وجودها ومفخرة دهرها ودرة تاجها النيل العظيم لما أنجبت آدميا يدب على أرضها ولاثرت أن تحيا وسط الأوطان بلا قطعان من الادمين العاجزين عن دفع غائلة الموت عن وجهها الصبوح.
أي عجز هذا وأي خزي! أي عمالة هذه وأي نذالة! أروني في تاريخ من عمروا ووطئوا أكنافها قوما فعلوا بوطنهم ما فعلناه؟! أم أننا نأبى ألا أن نهون وأن نكون عبرة لمن التمس العبرة في قوم فرطوا حتى بلغوا في التفريط حد الإفراط.
إن العار الذي جره السيسي عنوة ليجلل به وجه مصر بتوقيعه على هذه الاتفاقية المهينه لا يرفعه الا ثورة عارمة صارمة كالنيل إذا جرى وتدفق في زمن الفيضان، ثورة تطيح بالعسكر ومعهم سيسيهم العميل الدخيل.
لقد وضع هذا القزم القابع فوق عرش أم الدنيا؛ وضع البلاد والعباد أمام خيارين أهون منهما أن يوضع رجل من أبناء صعيد مصر بين ان تغتصب أمه بين يديه وعينيه أو يذبح هو وعائلته فلا يبقى لهم في هذه الحياة أثر أو خبر؛ فليس من السهل الآن ترك إثيوبيا تصنع بالنيل ما تشاء وليس من السهل كذلك خوض حرب قد يفنى فيها الرجال والنساء، بالجملة فإن العقدة التي كان من السهل حلها بأطراف البنان صار من الصعب فك عقدتها بأشفار الأسنان.
وعلى التوازي يتم إعدام الخلق بالإهمال والاغفال؛ حيث تفردت حكومة السيسي من بين حكومات الدنيا على سعتها وكثرة من يحكمون في جنباتها بمقاومة خطر (الكرونا) بالمضي قدما في طريق التغاضي والتغافل؛ إلى حد اننا لا نعرف كم حجم مصابنا الا بالنظر لحجم التحذير منا والتجافي عنا من دول العالم!
إنه الإعدام لوطن مع مواطنيه، إنها الخيانة العظمى التي تمارس كل يوم ومع كل تحرك وفي كل مناسبه، إن الاحتلال لا يمكن أن يفعل بنا بعض ما يفعله هؤلاء المجرمون البالغون في الإجرام حد الاعجاز لكل من سبقهم من المجرمين اجمعين؛ ولا علاج ولا دواء الا الثورة التي تأتي بادواتها كالطوفان، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.